د. فريد التوم
باحث مختص في الميكنة الزراعية – بمدينة افريقيا التكنولوجيه
الأمين العام للاتحاد العام لخريجي الجامعات والمعاهد الصينية – السودانية
يتمتع السودان بموارد طبيعية ضخمة تتمثل في وجود الأنهار النقية والمياه الجوفية، بالإضافة لتوفر مساحات وأراض شاسعة صالحة للزراعة يمكن استغلالها للإيفاء بحاجة البلاد من السلع والمحاصيل الغذائية وتصدير الفائض منها مما ينعكس إيجابا في تغطية الفجوة الغذائية في العالم العربي والإفريقي.
لا شك أن تغير المناخ تكون له آثار واسعة النطاق (سواء الحالية أو المُحتملة) على الزراعة والأمن الغذائي، حيث إن التغيرات في أنماط هطول الأمطار، ارتفاع متوسط درجات الحرارة، زيادة التباين في كل من هطول الأمطار ودرجة الحرارة، التغيرات في توافر المياه، ارتفاع مستوى سطح البحر، زيادة الملوحة، والتغيرات في تواتر وشدة سوء الأحوال الجوية، تؤدي جميعها إلى آثار سلبية على قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك. وهنا نجد أن عدم التيقن من آثار تغير المناخ التي ترتبط بتوقيتها ومدى شدتها، مقرونا بالعواقب التي تلحق بالعديد من القطاعات المترابطة بخلاف الزراعة مثل (الصحة، الطاقة، الاقتصاد، الهجرة)، قد ينجم عنه تحديا مُعقدا للغاية. إن الزراعة الذكية مناخيا (CSA) عبارة عن نهج متكامل يساعد في توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية، لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير. وتهدف الزراعة الذكية مناخيا إلى معالجة ثلاثة أهداف رئيسية وهي (زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل – التكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ – خفض أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيثما كان ذلك ممكنا وبالطبع، يتطلب تحقيق هذه الأهداف تغييرات في السلوك والاستراتيجيات والممارسات الزراعية من قبل الأسر الريفية، وذلك من خلال تحسين فرص حصولهم على تقنيات مرونة المناخ والمعرفة والمعلومات من أجل زيادة الإنتاجية، والمدخلات، ومعلومات السوق، والمعلومات التي تسهم في تنويع مصادر الدخل، هذا بالإضافة إلى تنظيم أنفسهم بشكل أفضل للعمل الجماعي. واستيعاباً للسياسة الزراعية الرشيدة التي تنادي بتكامل الحيوان في الدورة الزراعية للمشاريع الزراعية الكبرى من خلال الاهتمام بالأعلاف المروية والاتجاه نحو استزراع المراعي وإقامة المزارع الرعوية لتحديث نمط الإنتاج لمواكبة الحاجة المتزايدة لمنتجات الثروة الحيوانية وسد الفجوة الناتجة عن تدني غطاء المراعي الطبيعية وزيادة الاعتماد على المخلفات الزراعية ومخلفات التصنيع الزراعي، كان لابد من إيجاد حلول تسهم فى تسهيل استزراع تلك المناطق بطرق حديثة. وبالرغم من توفر تلك المساحات والموارد، إلا أنه في السنوات المقبلة قد يشهد القطاع الزراعي تراجعا ملحوظا في المساحات المزروعة وقلة الكفاءة الإنتاجية للفدان ويعدو ذلك للعديد من الأسباب والتي من ضمنها:
ارتفاع كلفة الزراعة، هجرة الشباب لقطاع التعدين الأهلي وإلى خارج السودان، عدم إدخال التقنيات او التكنولوجيا الحديثة في العمل الزراعي.
الجدير بالذكر إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تلعب دورا مهما في تنمية وتطوير العمل والإنتاج الزارعي وزيادة الإنتاجية والمساهمة في إنتاج منتجات زراعية مطابقة للمواصفات تضيف ميزة تنافسية للمنتج السوداني في الأسواق العالمية. ولكي نضطلع بهذا الدور المطلع لابد من تطويع وتكييف تلك الأنظمة لتوائم العمل حسب مقتضيات ومتطلبات العمل المحلية واستخدامها لحل المشاكل والمعوقات المبنية على الدراسات الفنية والعملية.
ومن أجل نجاح الدورة الزراعية والوصول لإنتاجية ومعدلات عالية تحتاج تلك العملية لمعلومات دقيقة ومفصلة عن التربة والمناخ قبل بدء العمل الزراعي ولمعلومات مهمة عن حالة النبات مثل معدلات الرطوبة، صحة النبات، الآفات الزراعية، وغيرها من المعلومات المرتبطة بالزراعة والتي تعتبر جوهرية في إدارة العملية الزراعية. إلى وقتنا الحاضر معظم تلك المعلومات يتم جمعها بصورة تقليدية أو بطريقة مكلفة تستغرق وقتا للحصول عليها وكمثال لذلك استخدام الأقمار الصناعية في التصوير الزراعي. وقد تصدرت المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا NMHSs ، ومنظمات البحوث الدولية، قائمة تطبيق أدوات الأرصاد الجوية الزراعية، ومن بين التطبيقات الأكثر إثارة للاهتمام هي تجربة “إندونيسيا” التي نجحت في تدشين خدمات مناخية ذات كفاءة عالية مع المزارعين، والتي بدورها تعمل على تحقيق زيادة كبيرة في فهم ووعي ما يحدث وسيحدث في البيئة الزراعية. وفي “الصين” أثبتت المحاصيل والخدمات المناخية قدرتها الفعالة على التكيف مع الأحداث غير المواتية. وفي هذا الصدد، أظهرت مشاريع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أن المزارعين أيضا لديهم القدرة على تحديد توقيتات الزراعة.
في الوقت الراهن نبعت فكرة استخدام الطائرات ذاتية التوجيه (Drones) في الأعمال المرتبطة بالعمل الزراعي لما لها من فوائد كبيرة في تقليل التكلفة التشغيلية وللحصول على معلومات لحظية وآنية دقيقة تساهم في الاستخدام الأمثل للموارد والحد من حالة عدم اليقين في القرارات المتعلقة بالسيطرة على المشاكل ومكافحة الآفات. جنبا إلى جنب يتم استخدام برنامج تحليلي لتزويد المزارعين بتوجيهات حول دوران المحاصيل، وأوقات الزراعة المثلى، وأوقات الحصاد، وإدارة التربة.