في مكالمة هاتفية، الأربعاء، عرض الرئيس الصيني، شي جين بينغ، تعميق التعاون مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فيما يبدو أنه التزام متجدد من بكين بالشراكة مع موسكو، على الرغم من الغزو الذي شنته الأخيرة على أوكرانيا.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن الدعوة لتجديد التعاون، وهي الأولى لهما منذ أواخر فبراير بعد وقت قصير من شن روسيا هجومها على أوكرانيا، أتت بعد أن سعت الصين في الأشهر الأخيرة إلى الحفاظ على العلاقات مع موسكو مع التأكيد على أنها تحاول أن تكون وسيطا محايدا للسلام في أوكرانيا.
وتضيف أن ملخص المحادثة الصادر عن وزارة الخارجية الصينية لم يترك مجالا للشك في أنه، ويصرف النظر عن مخاوف الرئيس الصيني بشأن غزو أوكرانيا، فإنه لا يزال ملتزما بعلاقات وثيقة مع روسيا، مما يساعد موسكو على تعويض العداء المتزايد مع الولايات المتحدة وحلفائها.
وقال الرئيس الصيني لنظيره الروسي: “طوال هذا العام، حافظت العلاقات الصينية الروسية على زخم صحي للتنمية في مواجهة الاضطرابات والتغيير العالميين”، وفقا للملخص الصيني.
وأضاف أن “الصين مستعدة لتعزيز التقدم المطرد للتعاون الثنائي العملي”.
وأكد الرئيس الصيني أن بلاده “مستعدة لمواصلة الحفاظ على الدعم المتبادل بشأن القضايا الرئيسية ذات الاهتمام المشترك التي تشمل السيادة والأمن والمصالح الأساسية الأخرى، وبناء تعاون استراتيجي ثنائي أوثق”.
وتماشيا مع الممارسة الرسمية للصين منذ أن شنت روسيا هجومها، لم يشر شي إلى “الحرب” أو “الغزو” فيما يتعلق بأوكرانيا، وبدلا من ذلك أشار فقط بشكل غير مباشر إلى “قضية أوكرانيا”.
وقال لبوتين إن الصين ستصدر أحكامها الخاصة بشأن هذه القضية، وحث جميع الأطراف على التوصل إلى “حل مناسب للأزمة الأوكرانية”.
وعندما استضاف الرئيس الصيني، بوتين في أوائل فبراير، أعلن الزعيمان التزامهما بصداقة “بلا حدود”، حتى في الوقت الذي كانت فيه واشنطن والحكومات الأوروبية تحذر من أن روسيا تبدو مستعدة لمهاجمة أوكرانيا.
وفي الأسبوع الماضي، فتحت الصين وروسيا جسرا يربط هيهي، وهي مدينة حدودية في شمال شرقي الصين، بمدينة بلاغوفيشتشينسك الروسية.
وألقى مسؤولون صينيون ووسائل إعلام تديرها الدولة باللوم على واشنطن وحلف شمال الأطلسي في تهيئة الظروف للحرب في أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يوافق أعضاء حلف شمال الأطلسي “الناتو” في قمة نهاية يونيو الجاري، على “مفهوم استراتيجي” جديد من شأنه رفع مستوى اليقظة ضد روسيا والإشارة أيضا إلى التحديات المحتملة للحلف من الصين لأول مرة، وفقا للصحيفة.
ما “لم يقله” الرئيس الصيني
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن الرئيس الصيني أشار إلى دعمه لمخاوف موسكو الأمنية.
وجرت المحادثة في عيد ميلاد شي الـ69، في إشارة إلى رغبة الزعيمين في تعزيز الصداقة الشخصية التي ساعدت في نقل العلاقات الصينية الروسية إلى أقرب نقطة منذ السنوات الأولى من الحرب الباردة.
وتقول الصحيفة إن الوصف الروسي للمكالمة تضمن لغة تشير إلى أن موسكو تملك دعم بكين للحرب.
وقال شي خلال المكالمة “الصين مستعدة لمواصلة الدعم المتبادل مع روسيا بشأن القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية والمخاوف الرئيسية مثل السيادة والأمن”، وفقا لوزارة الخارجية الصينية.
وقال بيان الكرملين إن الزعيم الصيني “أشار إلى شرعية الإجراءات التي اتخذتها روسيا لحماية المصالح الوطنية الأساسية في مواجهة التحديات التي تواجه أمنها والتي خلقتها قوى خارجية”.
وفي حين اختلف تلخيص البلدين للمكالمة الهاتفية، إلا أن البيانين أظهرا أن الصين ليست لديها نية للتراجع عن تحالفها السياسي مع روسيا، على الرغم من أنها أضرت بعلاقات بكين مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة وقوضت جهودها لدعم نفسها كقوة عالمية مسؤولة.
وفي اجتماعات داخلية على مدار العام الماضي، وفقا لمسؤولين صينيين ومستشارين للسياسة الخارجية، شدد شي على أن الولايات المتحدة هي أكبر تهديد لمصالح الصين، مما حول تركيز السياسة الخارجية لبكين نحو التوافق مع موسكو والابتعاد عن بناء علاقات مع واشنطن.
وتقول الصحيفة إنه في هذه الأيام، هناك وجهة نظر سائدة في أروقة بكين مفادها أن الولايات المتحدة ستحول اهتمامها إلى مزيد من احتواء الصين مع ضعف روسيا بشكل متزايد بسبب العقوبات الغربية.
وبذلت موسكو، المعزولة من قبل الكثير من بقية العالم، جهودا كبيرة للترويج لتحالفها الجيوسياسي مع بكين.
ونقلت الصحيفة عن إيفان ميديروس، وهو مسؤول كبير سابق في الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما: “لقد خلص شي إلى أنه في منافسة طويلة الأجل مدفوعة أيديولوجيا مع الليبرالية الأميركية والغربية”.
وأضاف أن الرئيس الصيني “يرى روسيا رصيدا للصين، لأن البلدين يعتبران الولايات المتحدة التهديد الرئيسي لاستقرارهما الداخلي وأمنهما الخارجي”.
وأرسلت وسائل الإعلام الحكومية الصينية مراسلين إلى أوكرانيا ونشرت مقاطع فيديو لبوتين، بما يتماشى مع رواية موسكو الحربية.
ويرى بعض خبراء السياسة الخارجية أن مكالمة شي وبوتين تمهد الطريق للمحادثة المقبلة بين الزعيم الصيني والرئيس الأميركي، جو بايدن.
وكانت آخر مكالمة هاتفية بين شي وبايدن في أواخر مارس، عندما حذر الرئيس الأميركي نظيره الصيني من أن بكين وعلاقاتها مع واشنطن ستعاني من عواقب في حال قدمت مساعدة جوهرية لروسيا في غزوها لأوكرانيا.
وعرض بوتين دعمه للصين في قضايا من بينها شينجيانغ وتايوان وهونغ كونغ، قائلا إن روسيا تعارض أي تدخل في شؤون الصين، وفقا لما نقله البيان الصيني عن المحادثة.
وقال يون صن، مدير برنامج الصين في مركز ستيمسون، للصحيفة الأميركية إن البيان الصيني جاء مقياسا بدعم شي للسيد بوتين.
وأضاف “كرر شي دعمه لروسيا في قطاعات الأمن والسيادة”، وأضاف “لكن من المهم تماما ما لم يقله، وهي المساعدات العسكرية والاقتصادية والمالية لروسيا”.
وامتنعت بكين عن تقديم المساعدة لموسكو بطريقة واضحة.
وتشتري الصين منتجات زراعية وطاقة روسية، لكنها تمتثل للعقوبات المالية والتكنولوجية الأكثر ضررا التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، خوفا من فقدان الوصول إلى النظام التجاري العالمي الذي يهيمن عليه الدولار والوقوع في العقوبات الثانوية.
كما نفت الصين علنا بعض التأكيدات بأن روسيا طلبت مساعدتها، إما من خلال توفير المعدات العسكرية أو المساعدة الاقتصادية.
ومع ذلك، أشار الكرملين في بيان حول مكالمة الأربعاء إلى أنه “تم التطرق أيضا إلى قضايا مواصلة تطوير العلاقات العسكرية والعسكرية التقنية”. دون أن يذكر تفاصيل أخرى.
وانخفضت صادرات الصين إلى روسيا بشكل كبير في الأشهر الثلاثة الماضية مقارنة بمستويات ما قبل الغزو بينما ارتفعت واردات الصين من روسيا مدفوعة جزئيا بارتفاع أسعار الطاقة، حسبما قال الزميل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، مارتن تشورزمبا، لـ “نيويورك تايمز”.
وأضاف تشورزمبا “لا نرى الصين تملأ الفجوة التي خلقتها العقوبات الغربية على روسيا