نعى الناعي وفاة الخال الرائع خفيـف الظل ظريف المدينـــة إبراهيم على الضـو أحد أشهر سواقي اللواري بالنهود .. هناك أشخاص يمثلون شجر واعمدة المجتمعات منهم سواقى اللوارى فى العهد الذهبى إذ تعلم إبراهيم على مهنة السواقـــة على يـد كبير السواقين الراحل احمد الحمرى الذى كان يقود عربـة (أبورجيلة) كان ذلك نهايـة الخمسينـات ومطلع الستينيات وابورجيلـة وقتها معروف من نوع السيارات التى لا تتحمل الضغط وعادة ما بتسخن بالنهار ومعظم حركة سيره بالليـل لان الليل بارد وكان يقطع المسافـة بين النهود والفاشر خلال ثلاثـة أيام وعندما يصل مدينـة الفاشر يستقبله اهل المدينة بالسيـرة والدفوف ومن الاشياء الملفتــة كان العُـرف المتبـع هو اذا نام السائق او المساعـد لا يجوز لأي شخص أن يصحيه من نومه الا بعد ان يكمل نومته ويرتاح من رهـق السفر .. كانوا يقودون اللوارى التي ضمت كل انواع الموديـلات في ذلك الزمان بدءا من( الفارقـو) و(التيمس ـ بنوعيـه / قدوم قصير وقدوم طويـل ) و(النيسان ) و(الكي ـ بي ) الذي هو افشل انواع الصناعات اليابانية حتي ان اهل كردفان وصموه بـلقب ( كي ـ بى كمل الخزنـة وقـدّْ جيبي ) من كثرة اعطالـه وصرفه للأموال في الصيانة ثم جاءت بعده موديلات أخري وهى ( الكى ـ واى ) و (الزد ـ واي) و( الزد ـ إس ) والأخير هذا يعتبر آخر صناعة من انواع اللوارى المستخدمة في تلك الديار وعلى قدر صلاح نواياهم كانوا كرماء وعفيفين وأياديهم بيضاء معطاءة وشملت حياتهم ومسيرتهم جمل ومواقف وخُلق كثيرة تستوقف الناس وتستحق التوقف عندها وأذكر كان المرحوم آدم سعد ( ليني) وخال ابراهيم على هما يقودان سيارات الخال المرحوم آدم محمد علي عجب الدور ( أبوسجارة) وقبلها كان ابراهيم علي يعمل سائق لعربـة اخري مالكها شخص اسمه حاج النور من اهل الفاشر وكانت لمدة زمنية تجاوزت الـ 12 عاماً كانت عربة نيسان بالنمرة ( أخ 6411) وعندما جاء الموديل الجديد ( خ ش) قام حاج النور بشراء عربة جديدة وخصصها للخال ابراهيم علي وقام بتسليم الموديل القديم لـ عبدالله الحمري .. كان ابراهيم على ليس مجرد سائق وانما ذوق ونظافة ولا يجامل فى أناقتـه ولا يتورع فى عرض الحقيقـة عاريـة رغم طيبته وأنـه مبتسم دائماً ومن المرويات عنه ان يوماً ما كانت عربتـه شاحنة امام دكان حاج ادم بالابيض وكان يستعد هو للمغادرة وفي الأثناء كان يعمل معه مساعد كبير الاخ محمد احمد حسن الملقب بـ ( سنبج) حيث قام سبنج بتشحيم العربــة ثم مسح بما تبقي من الشحم الذى كان عالقاً بطرف يده على جنبـة الباب ثم جاء خال ابراهيم وصعد العربة فإذا بالشحم يلطع طرف جلابيته وعندما ادرك ان من قام بهذا الفعل الشنيع هو مساعد العربة الكبير إنتهره وقام بطرده فى حينـها وقال له : يلا نزل شنطتك وأمشى لـ ـ حاج ادم يحاسبـك إنت ما بتنفع معاى ثم غادر الي الفاشر رفقـة مساعـد العربة الصغيــر .. ومن الذين جايلـوا خالنا ابراهيم على فى مهنـة قيـادة اللواري من السواقين الأصفياء المرحوم آدم بوري وجعفر حسن خميس وحسبو ابوساطور وشقيقـه المرحوم حميـدة وكذلك المرحوم القريش والمراحيم كباشى راشد وشقيقـه موسى وكباشى كان هو الذى كتبت فيه الاغنية الشهيرة التى غناها ود بارا وهى اغنيـــة ( كباشي كان برضى) .. هؤلاء العمالقة كانـوا سواقين قيافـة ونظافة يتنقلون بين الديار بخفـة وهيبـة ويتحلون بادب جم كانـوا ملهمين للناس ونموذج طيب فى كل شئ ويتمتعون بكرم حاتمى وفي زمنـهم كانت حلـة العربـة تطهى بـ (2) كيلـو لحمـة وكثيراً ما يأكلوا معهم كل الرُّكاب كان المال في قلوبـهم وليس آياديهم .. ومن جيل الراحل ابراهيم علي من السواقيـن ( أبسميركو) وعبدالمنعم محمد احمد ابوعكفة وعبدالقادر سليمان والمرحوم دستم وميرغني اسماعيل وفضل الله ذوالنون .. كانوا جميعاً ليسوا مثل الاجيال الحالية من الذين يحبون الكتابة علي خلفيات وجنبات السيارات كانوا سواقين مهرة وسياراتهم نظيفـة وكذاب من يقول وجد احدهم يغيـر زيت عربته داخل المدينة وكانوا عادة ما يخرجون الصباح من النهود ويقيلون بقهوة النيل حيث يقومون بغيار زيوت العربات فى الخلا بعد حفر الارض تحت الكارتيل ويتم انزال الزيت الراجع داخل الحفـرة ويدفن مباشرة حفاظاً على نظافـة البيئة .. ومن ثم يتناولون وجبـة العشاء بمحطة ودبندا بعدها لا يتوقفون الا عند منطقة ام كدادة بشمال دارفور .. كانوا مدرسة فى الانتباه والتركيز ودائماً ما يحافظون علي نظافة سياراتهم إذ تجد مقاعد العربة لديها (3) تلبيسات بألوان واشكال مختلفة وبتكون دائماً مغسولة ومكويـة جاهزة ويتم تغييرها من حين لآخر مثلـها وملايات المنزل .. هذا جيـل العمالقة من سواقي اللوارى بدار حمر رحل من رحل وتقاعد معظمهم لكنهم تركوا بصمتهم فى حياة الناس فى كل مكان كانوا محبين لمهنتـهم ومستمتعين بها بمرتبـة الشرف كانوا لا يتحركون إلا وكل الأشياء مرتبة وموضوعة فى اماكنـها بإحترافيــة فكانت كل حياتـهم محطات وتجارب ثرة ومثيرة .. وكثير منـهم كان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابـة لكنـهم كانوا بقدرات عقليـة ولغوية فائقة وقوة جسدية وذكاء فطري مختلف وهذا دور المجتمع الذي نشأوا وتربوا فيه وبأخلاقه ومثله تأسوا .. كانوا دائماً ينتبهون لما يميزهم وللمجال الذى فيه نقاة ضعف ويعملوا على معالجتـه وتقويته وبمجرد دخول شهري خمسة وبدايــة فصل الخريف يقومون بفك ( بروش ) صناديق السيارات ومن ثم نظافة العربــة ومسحها بالزيت الراجع حتى لا يتصدى الحديد بسبب الامطار وبعد ذلك تترك واقفـة امام منـزل السائق وليس امام منزل مالكها وبمجرد إنتهاء الخريف وتوقف الامطار يقومون بتلميع سياراتهم وتجهيزها إيذاناً بانطلاق العمل في موسم الحصاد .. رحمة الله تغشاك الخال ابراهيم على بقدر عطاءك ومحبتك للجميـع .. ورحم الله كل زملاءك ومد الله في آجال من هم على قيد الحياة فقد أفشوا المعرفة الفنية فى مجتمعات كان سائق اللورى واحداً من إيقوناتها .. لقد كان هؤلاء ليسوا مجرد سائقين فحسب بل كانوا ناقلين سلوك أهل المدن الحضارى الجميل وكذلك للإنضباط الذاتى وهم الذين أسهموا فى تطوير التجارة مما جعل أهالى تلك المجتمعات يفترعون إقتصاديات جديدة غير إحتراف الزراعـة والرعى كمهن مقدســـية ..