إبراهيم الميرغني.. بين عمامة المراغنة و”دلدول” الجنجويد!
د. محمد نور السموأل
في السياسة، هناك من يصنع مجده بالتاريخ والمواقف، وهناك من يبحث عن طريق مختصر إلى السلطة، حتى لو كان هذا الطريق يمر عبر استوديوهات الدعاية الإماراتية، ويمتد إلى خيام المليشيات في الصحراء! إبراهيم الميرغني، ذلك الشاب الذي ورث اسمًا ثقيلًا لكنه قرر أن يكون مجرد “وكيل حصري” لمشاريع الآخرين، مثال فريد على كيف يمكن للسياسي أن يفقد احترام الجميع، حتى أقرب الناس إليه.
في طائفته، التي تعودت على ممارسة السياسة بطريقة “نحن نحكم وأنتم تصفقون”، لم يعد إبراهيم أكثر من ورقة محروقة. كيف لا وهو الذي انقلب على إرث البيت الميرغني العريق، الذي ظل لعقود يقتات على كعكة السلطة لكنه على الأقل كان يحافظ على توازنه بين العسكر والمدنيين؟ جاء إبراهيم ليكسر هذه القاعدة الذهبية، فبدل أن يكون زعيمًا كما كان يحلم، تحول إلى مجرد دلدول للجنجويد، يتنقل بين العواصم ليبيع لهم الشرعية مقابل وعد بمنصب لم ولن يأتي!
أما الجنجويد، الذين يُحاول التقرّب منهم بأي طريقة، فهم لا يرونه أكثر من موظف علاقات عامة، مكلف بتحسين صورتهم أمام المجتمع الدولي. لكنه لا يدرك أن هؤلاء لا يثقون إلا بمن يحمل السلاح، لا بمن يحمل ميكروفون زوجته الإعلامية على الفضائيات! فبينما هو يوزع التصريحات من نيروبي، كانت المليشيا تُعيد ترتيب بيتها الداخلي، غير عابئة بجهوده البائسة في إقناع العالم بأنها “حكومة شرعية”.
وما يثير السخرية أكثر هو زواجه من الإعلامية تسابيح المبارك، الذي لم يكن مجرد زواج عادي، بل كان خطوة تكتيكية محسوبة بعناية. فقد رأى في تسابيح منصة إعلامية متنقلة، يمكن أن تلمّع صورته وتمنحه وزنًا سياسيًا، لكنه لم يدرك أن الإعلام، مهما كان قويًا، لا يستطيع أن يُحوّل سياسيًا عديم الوزن إلى زعيم حقيقي! والنتيجة؟ زوجة صارت بوقًا دعائيًا مدفوع الأجر، وزوج يحلم بأن يصبح رئيسًا ذات يوم، بينما لا يستطيع حتى أن يحظى باحترام أقرانه داخل الطائفة التي ينتمي إليها!
إبراهيم الميرغني مثال حي على السياسي الذي يعتقد أن بإمكانه أكل الكعكة والاحتفاظ بها في الوقت نفسه. يريد أن يكون زعيمًا وسط الطائفة، لكن الطائفة لفظته لأنه باع نفسه بثمن بخس. يريد أن يكون رجل الجنجويد الموثوق، لكنهم يرونه مجرد دلدول مؤقت سينتهي دوره قريبًا. وفي النهاية، سينتهي مثل كل السياسيين الذين لم يحسنوا اختيار مواقفهم: بلا طائفة تحميه، وبلا مليشيا تعتمد عليه، وبلا شعب يحترمه!