إبراهيم شقلاوي: كهرومائية دنقلا.. تساؤلات مشروعة.
وجه الحقيقة |
يثير إعلان حكومة الولاية الشمالية توقيع عقد مع شركة “توكي للأنشطة المتعددة” لإنشاء محطة طاقة كهرومائية بدنقلا، عبر شركة ألمانية متخصصة عدة تساؤلات حول جدوى المشروع، مساره المؤسسي، ومدى استيفائه لمتطلبات الشفافية والدراسات الفنية اللازمة. ففي ظل الحديث عن توفير 5000 ميغاواط من الكهرباء للولاية، مع إنتاج 300 ميغاواط في المرحلة الأولى خلال ستة أشهر، يبرز تساؤل جوهري، هل خضع هذا المشروع لدراسات فنية واقتصادية دقيقة، أم أنه مجرد خطوة استباقية تفتقر للأسس العلمية؟
توقف كثيرون عند حديث وزير البنية التحتية والتنمية العمرانية بالولاية، المهندس محمد سيد أحمد فقيري، في مقطع فيديو مصور، حيث بدأ حذرًا في حديثه عن ما سماه “اللغط” الدائر حول العقد الموقع مع الشركة الألمانية. هذا الحذر يطرح عدة استفسارات:
أين موقع المشروع وهل الموقع خالي من الموانع التي ربما تترتب عليها تعويضات للمتأثرين ؟ متى تم طرح عطاء المشروع، وكيف تم تأهيل الشركة المنفذة ؟ وكم تبلغ قيمة العقد الكلية وماهي مكونات المشروع ومن المالك ومن الجهة الممولة وهل هناك استشاري للمشروع؟ وماهو المدي الزمني لمراحل التنفيذ؟ وهل لوزارة المالية وبنك السودان دور؟
كذلك من الأسئلة المهمة التي تحتاج اجابات.. ما علاقة شركة كهرباء السودان القابضة بالمشروع، في ظل وجود إدارة متخصصة تعنى بالطاقات البديلة و المتجددة؟ وهل تمت دراسات لاختيار موقع المحطة، وهل استندت إلى دراسات سابقة أم تم تجاوزها؟ هل راعى المشروع الخبرة الوطنية في المجال والدراسات السابقة وعقود الإنشاء؟
اللافت في حديث الوزير أنه بنى على تطمينات أن المشروع ليس له علاقة بالسدود دال وكجبار، هذا التطمين المخل لم يراعي استراتيجية الحكومة السودانية التي اكملت دراسات هذه المشروعات في مرحلة سابقة، والتي تمت مراجعتها بتمويل من حكومة السودان لتلافي احتمالات تهجير المواطنين من المواقع المذكورة، من المثير للانتباه أن وحدة تنفيذ السدود كانت قد أنجزت دراسات متكاملة منذ عام 2017 حول إنتاج الكهرباء من مشروعي “دال” و”كجبار”، مع تحديثات فنية تراعي تفادي الآثار البيئية والاجتماعية، مثل غمر الأراضي الزراعية أو اغراق القرى السكنية. فلماذا لم يتم الاستفادة من هذه الدراسات؟ وهل المشروع الجديد يتعارض مع تلك المخططات أم يتكامل معها؟
كذلك أشار الخبر الذي أوردته “وكالة السودان للأنباء” أن المشروع يأتي في إطار استراتيجية الدولة لتطوير قطاع الطاقة المتجددة، مما يعزز الاكتفاء الذاتي من الكهرباء ويدعم خطط التنمية الشاملة في السودان.. هذا جيد لكن من المعلوم أن استراتيجية الدولة المعنية بالطاقة هي شأن اتحادي يقع ضمن مسؤولية وزارة الكهرباء باعتبارها تملك خارطة الحوجة الأساسية للبلاد في جانب الكهرباء وتوزيعاتها وفقا لمطلوبات خطة التنمية في البلاد.
هذا بالإضافة إلى أنها تملك خطوط نقل الكهرباء والمحولات وادارت التشغيل والصيانة ووووالخ. كذلك أي مشروعات داخل مجرى النيل تلي وزارة الري والموارد المائية. المشروع طاقته التصميمية بحسب الوزير 5000 ميقاواط مما يعني أنه ينتج كهرباء تقارب 4 أضعاف سد مروي الذي ينتج 1250 ميقاواط كأكبر مشروع لتوليد الطاقة في البلاد.
يأتي هذا المشروع في وقت يشهد فيه العالم تحولات جذرية في قطاع الطاقة، مع تنامي الاهتمام بالهيدروجين الأخضر كمصدر مستقبلي للطاقة النظيفة. فرغم أن الطاقة الكهرومائية تظل خيارًا استراتيجيًا، فإن هناك تحديات تتعلق بجدوى المشاريع الجديدة، خاصة في ظل ندرة التمويل والاستثمارات طويلة الأمد.
في المقابل، تمثل تقنيات فصل الهيدروجين من الماء عبر التحليل الكهربائي مسارًا واعدًا، لكنه لا يزال في مراحل الدراسات والتطوير، بجانب أنه تواجهه عقبات تتعلق بالكلفة والتخزين. لذا، فإن تبني أي مشروع متعلق بالطاقة يجب أن يكون مدعومًا برؤية متكاملة تستند إلى جهات الاختصاص.
عليه تظل المخاوف من الوقوع في فخ الشركات غير المؤهلة حاضرا في مثل هذه المشروعات المتعجلة، تاريخيًا، عانت العديد من الدول من الوقوع في فخ التعاقد مع شركات غير مؤهلة والسودان ليس استثناء، ما أدى إلى مشاريع متعثرة أو عقود مجحفة لا تحقق الأهداف المرجوة. فهل تم فحص مدى كفاءة الشركة الألمانية المعتمدة لدى “نادي الطاقة العالمي”؟ وهل هناك ضمانات فعلية لتنفيذ المشروع وفق المعايير المطلوبة؟
إن إعادة الإعمار في السودان، خاصة في قطاع البنية التحتية، يجب أن تقوم على أسس مؤسسية واضحة، تستند إلى الشفافية و الدراسات العلمية والخبرات والتجارب المحلية فالسودان من دول المنطقة التي تملك خبرات هندسية وفنية واسعة وراسخة، بدلاً من الاندفاع وراء مشاريع تبدو جذابة ظاهريًا لكنها تفتقر للعمق الفني والاقتصادي.
عليه وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فالأولي أن يتم إكمال محطة بورتسودان وقري بطاقة انتاجية 920 ميقاواط والتي أوشكت على الانتهاء، بدلا من الدخول في مشروعات جديدة تحتاج إلى مزيد من الدراسات والتنسيق المشترك، فالمطلوب ليس مجرد توقيع عقود، بل بناء رؤية استراتيجية تستوعب خطة البلاد في مجال الطاقة بجانب التحولات العالمية، وتضمن استدامة المشاريع، بعيدًا عن العشوائية والقرارات المستعجلة.
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 26 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com