مرتزقة كولمبيين في حرب الفاشر.. أدلة جديدة بالصورة والصوت
الطيب إبراهيم
أظهرت مقاطع فيديو حديثة لمعارك دارت أمس الأربعاء، داخل مدينة الفاشر، مشاركة مرتزقة كولمبيين في القتال بجانب مليشيا الدعم، السريع، ونشرت الصفحة الرسمية لحركة تحرير السودان قيادة مصطفى تمبور، مقاطع فيديو أكثر وضوحا تبين إصابة مرتزق كولمبي خلال معارك أمس الأربعاء، بينما ظل يستنجد فيما يبدو لإنقاذه بلغة إسبانية واضحة.
وظهر المرتزقة الكولمبيين في معركة الفاشر بأزياء عسكرية كاملة ويعتمرون قبعات على رؤوسهم، بينما يقاتلون بوجه مكشوف ويظهرون في مقاطع الفيديو في جرأة غريبة تعكس استهتار مشغليهم وتحديهم للقرارات الدولية التي طالبت بعدم التدخل في الشأن السوداني.
هذه الحادثة لم تكن الأولى لمشاركة مرتزقة عابرين للقارات في حرب الفاشر، حيث عثر الجيش السوداني مطلع أغسطس الجاري على جثة مرتزق كولمبي ملقاة في إحدى البنايات الطرفية في مدية الفاشر بعد معركة شهدتها المدينة.
وكشف منصة “القدرات العسكرية السودانية” عن معلومات صادمة تتعلق بـ جثة الكولومبي بمدينة الفاشر، مؤكدة أن القتيل كان جنديا سابقا في القوات الخاصة الكولومبية وعضوا ضمن وحدة مرتزقة تعرف باسم “سرايا ذئاب الصحراء”، تعمل تحت غطاء مليشيا الدعم، السريع.
وعثر على الجثة بعد معركة عنيفة بين الجيش ومليشيا الدعم، السريع، حيث وجدت بحوزته تجهيزات عسكرية متقدمة، تشمل أجهزة اتصالات مشفرة وشارة ميدانية تحمل علم كولومبيا وعبارة Colombia بتصميم يستخدم في المهام السرية، مما يعكس الطابع الاحترافي والخطير للمهمة التي كان يشارك فيها داخل السودان.
وأوضح بيان صادر عن منصة القدرات السودانية، أن “سرايا ذئاب الصحراء” تتكون من عناصر لاتينيين جرى استقطابهم عبر شبكات مرتبطة بجهات أمنية وتجارية إماراتية، وتستخدم في تدويل الحرب في السودان عبر ضخ مرتزقة محترفين للقتال إلى جانب مليشيا الدعم، السريع.
قبل ذلك بشهور، رصدت الاستخبارات العسكرية، معسكرا في ليبيا قرب الحدود مع السودان يضم مرتزقة كولمبيين يجري إعدادهم للانضمام للمليشيات في حرب السودان، وفي نوفمبر الماضي، تابعت الاستخبارات تحرك المرتزقة الكولمبيين لداخل الأراضي السودانية، وتمكن سلاح الجو في نوفمبر من العام 2024 من استهداف القافلة بطائرة مسيرة وقتل 22 مرتزقا كولمبيا قبل دخولهم الفاشر.
وهى الحادثة عينها التي أثارت حفيظة الحكومة الكولمبية ودفعت سفيرتها في مصر، دي جافيريا، في الأول من ديسمبر الماضي، للقاء سفير السودان لدى جمهورية مصر الفريق عماد عدوي، والاعتذار له رسميا عن مشاركة مواطنين كولمبيين في حرب السودان، وعبرت السفيرة عن صدمة شعب وحكومة بلادها لدى تلقيهم خبر مشاركة مواطنين كولومبيين في الحرب الدائرة في السودان ضمن مليشيا الدعم، السريع.
وعطفا على الحادثة نفسها، نشر موقع «لا سيلا فاسيا» الكولومبي، تقريرا كشف فيه أن المرتزقة الكولومبيين كانوا من بين 300 جُندوا في الأصل ليعملوا كحراس أمن في الإمارات في شركة «المجموعة العالمية للخدمات الأمنية» الإماراتية. ثم أمرت السلطات فيها ما لا يقل عن 40 من هؤلاء المرتزقة بالتوجه إلى بنغازي، ومنها إلى غرب السودان، وذلك في إطار دعم الإمارات للدعم السريع في صراعها مع الجيش السوداني.
ومع تزايد نشاط المرتزقة الكولمبيين في الحرب بجانب المليشيات أصدرت وزارة الخارجية السودانية، مطلع أغسطس الحالي عقب مقتل مرتزق كولمبي في الفاشر، بيانا أكدت فيه امتلاكها كافة الوثائق والمستندات التي تثبت تورط مرتزقة من كولومبيا ومئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار، برعاية وتمويل جهات خارجية، مشيرة إلى أن بعثة السودان الدائمة في الأمم المتحدة قدمت هذه الوثائق رسميا إلى مجلس الأمن الدولي.
وأضافت الوزارة، أن هذا المنحى الخطِر في مسار الحرب يشكل تهديدا للأمن والسلم الإقليميين والدوليين ويغير من مسار الحرب، كي تصبح حربا إرهابية عابرة الحدود، تدار بالوكالة وتفرض واقعا جديدا يهدد سيادة الدول وينتهك حرماتها..
مع تواتر الأدلة القاطعة بالصوت والصورة عن مشاركة المرتزقة الكولمبيين في حرب السودان إلى جانب مليشيا الدعم، السريع، وفور الإعلان عن مقتل 40 منهم في معركة الفاشر مطلع أغسطس الجاري، خرج الرئيس الكولمبي غوستافو بيترو، للمرة الأولى معلقا على الحادثة، وأوضح إنه طلب بشكل عاجل تقديم مشروع قانون يحظر تجنيد المرتزقة، وذلك بعد أنباء عن مشاركة مرتزقة من بلاده في الحرب والقتال في صفوف مليشيا الدعم، السريع بالسودان.
وفي تغريدة على منصة إكس، أضاف بيترو أن تجنيد المرتزقة شكلٌ من أشكال الاتجار بالبشر ويحول الأشخاص إلى أدوات للقتل.
وقال الرئيس الكولومبي “أرادوا الحرب داخل كولومبيا بشدة لدرجة أنه مع ضعف الحرب في البلاد سعوا إليها خارجها حيث لم يُؤذِنا أحد”. ووصف بيترو من يقومون بعمليات تجنيد المرتزقة وإرسالهم “بالقتلة” و”أشباح الموت”.
وأشار إلى أنه أمر سفيرة بلاده في مصر بالتحقق من عدد الكولومبيين الذين لقوا حتفهم، وأشار إلى أن هناك حديثا غير مؤكد عن 40 شخصا، وأضاف “سنرى إن كنا نستطيع استعادة جثثهم”.
بعد ظهور فيديوهات عالية الموثوقية تظهر وجود مرتزقة كولمبيين بجانب مليشيا الدعم، السريع والعثور على جثث قتلاهم في معركة الفاشر، لم يعد المجتمع الدولي بحسب مراقبين بحاجة لأدلة جديدة، أكثر من أن يتحرك بشكل جدي لإيقاف تدفق المرتزقة نحو قارة تعاني أصلا من هشاشة أمنية ومحاسبة الإمارات التي ترسل هؤلاء المرتزقة لإراقة دماء الأبرياء وتعكير السلم الإقليمي في مجمل المنطقة.