صلاح الدين مركز يكتب..مسرحية اعتقال “أبو لولو”.. اعتراف بالمستتر وتورط بالمكشوف
لم تكن قصة ما سُمّي بـ (اعتقال المعتوه أبو لولو) سوى فصل جديد من فصول التضليل الإعلامي الذي ظلت تمارسه مليشيا الدعم السريع منذ 15 عشر من ابريل 2023م لتجميل صورتها أمام الرأي العام، بينما تتراكم الأدلة على تورطها المباشر في جرائم الإبادة والتهجير القسري بحق المدنيين في مدينة الفاشر.
اللافت في البيان الذي أصدرته قيادة المليشيا هو أنه حمل بين سطوره اعترافًا غير مباشر بوقائع دامغة، إذ أقرّ بوجود «خروقات ميدانية وتصرفات فردية» من بعض عناصرها وهي صيغة حاولت بها التهرب من المسؤولية الجماعية، لكنها في الوقت ذاته تثبت ما كانت تنكره طيلة الأشهر الماضية: أن الجرائم ارتُكبت فعلاً، وبأوامر أو غض طرف من قيادتها.
على الصعيد السياسي، تبدو هذه المسرحية محاولةً متأخرة لإعادة التموضع أمام الضغوط الإقليمية والدولية. فبعد أن بدأت ملفات الفاشر تُتداول في مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، تسعى المليشيا إلى إظهار نفسها كـ”كيان منضبط” قادر على محاسبة منسوبيه، في وقتٍ فقدت فيه السيطرة الميدانية على الأرض والمشروعية السياسية في الداخل.
لكن هذه الحسابات تصطدم بواقعٍ لا يمكن تجميله: مشاهد القتل الجماعي، المقابر الجماعية التي تم اكتشافها شمال الفاشر، وشهادات الناجين التي تؤكد وجود حملات منظمة لاستهداف المدنيين على أسس قبلية. هذه الحقائق تحوّل أي “محاولة إصلاح داخلية” إلى عبثٍ مكشوف أمام المجتمع الدولي.
قانونيًا، تحمل الأحداث مؤشرات واضحة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فالتقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان
بما في ذلك وثائق ميدانية وصور وفيديوهات وثقتها كميرات تلفونات مرتكبي الجرائم بانفسهم متابهين ومحتفلين بذلك تثبت عمليات تهجير قسري، ونهب، واستهداف ممنهج للمدنيين.
إن ما يسمى بـ”الاعتقال الداخلي” لا يعفي قادة المليشيا وجناحها السياسي (تاسيس)من المسؤولية، إذ ينص القانون الدولي على مبدأ المسؤولية القيادية، أي أن من أمر أو تغاضى عن الجريمة يتحمل وزرها مهما حاول إنكارها أو إلقاء اللوم على “عناصر منفلتة”.
العدالة لاهل الفاشر سوف تنتصر ولو بعد حين
وإن مسرحية “أبو لولو” ليست سوى محاولة يائسة لإعادة رسم صورة باهتة، لكن الواقع أوضح من أي بيان. الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة منكوبة، بل شاهدٌ على مأساة إنسانية وجريمة موثقة سيُكتب فصولها في سجل العدالة قريبًا.
قد تتبدل الخطابات، لكن دماء الأبرياء لا تُمحى ببيانات إعلامية، ولن تُنسى بمرور الوقت. العدالة ولو تأخرت قادمة، وستضع كل من تلطخت يداه بدماء المدنيين أمام محكمة التاريخ قبل أن يواجهوا محكمة القانون.