في أوقات الشدّة، تُمتحن معادن الشعوب، ويظهر معدن السوداني الأصيل في كل مرة. بلدنا الذي عرف الحروب والمحن لم يفقد يوماً إيمانه بالحياة ولا قدرته على النهوض من الركام. غير أن ما نعيشه اليوم من اضطراب وتنازع وتدخلات خارجية يتطلب وعياً جماعياً وحساً وطنياً يعلو فوق الولاءات الضيقة والانقسامات الحزبية والجهوية.
فالسودان ليس ساحة لتصفية الحسابات الدولية ولا مختبراً للمشروعات الأجنبية. هو وطن عمره آلاف السنين، حافظ على هويته رغم كل العواصف، وظل موحداً رغم محاولات التمزيق المتعددة.
إن حماية هذا الوطن صون ترابه مسؤولية كل مواطن سوداني ، أياً كان موقعه أو انتماؤه السياسي، من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.
والمطلوب اليوم ليس مزيداً من الشكوى أو الاتهامات، بل الوعي، والاصطفاف حول مشروع وطني جامع يقاوم ويضع مصلحة السودان فوق كل الاعتبارات.
علينا جميعاً أن نعيد التفكير والثقة بأنفسنا أولاً، وأن نؤمن بأن التنمية والسلام والعدالة لا تأتي إلا من داخل السودان، لا من الخارج.
فالمشروعات التي تُرسم لنا من وراء البحار لن تُنقذ وطننا، بل تكرّس التبعية وتُعمّق الانقسامات.
إن الشباب والنساء والمزارعين والعمال والمثقفين جميعهم يشكّلون طاقة هائلة يمكن أن تُبنى بها دولة قوية قادرة على الدفاع عن سيادتها وحماية مواردها.
والمقاومة الحقيقية اليوم ليست في حمل السلاح وحده، بل في التمسك بالوحدة، والعمل، والإنتاج، والتعليم، ومحاربة الفساد، وفي الإيمان بأن الوطن لا يُصان إلا بسواعد أبنائه.
فلنقلها بوضوح إن السودان ليس للبيع، ولا للوصاية، ولا للاستبدال. هو أمانة في أعناقنا جميعاً، وأي تهاون في حفظه خيانة للتاريخ وللأجيال القادمة. فعلى الذين يدعمون مشاريع الاستعمار الجديدة تغليب صوت العقل ومراجعة مواقفهم، والعودة إلى الوطن، وإعلاء صوت المستقبل على الأحقاد القديمة.
سيبقى السودان عصيًّا على الانكسار، مهما تكاثرت عليه الأزمات وتعاقبت عليه العواصف. فهذه الأرض التي سُقيت بعرق الأجداد ودماء الشهداء لن تنحني إلا لخالقها، ولن تُرسم ملامحها إلا بسواعد أبنائها. إن معركة الوعي والكرامة لا تُخاض بالسلاح وحده، بل بالإصرار على البقاء، وبالإيمان بأن الغد لنا مهما طال ليل المحن.
فلنثبت كما الجبال، ولنجعل من وحدتنا سلاحًا، ومن صمودنا درعًا، ومن حبنا للسودان وعدًا لا يُنكث.
فمن أراد أن يرى مستقبل هذا الوطن، فلينظر إلى أبنائه وهم يقفون اليوم رغم كل شيء على أرضهم شامخين، يرفعون راية واحدة تقول للعالم أجمع
هنا السودان.. لا يُهزم، ولا يُشترى، ولا يُستبدل.

