رؤي ~~ فسأله الحاكم
واصله عباس
اتسمت ملامح المجتمع السوداني بصفات ميزته في كل الدروب عن أسلافه من بقية الشعوب، وجعلته رمزاً للكرم والجود وأصبح مأوى لكثير من الذين أصابتهم محن الزمان وجوره، ووصلت بهم إلى آفاق رحيبة جعلت (يازول) محورا للاهتمام ومنحوا الدنيا درساً بليغاً في إكرام ووفادة الضيوف، فكانت الأمثال والأشعار (بليلة مباشر ولاضبيحة مكاشر) (وضيوف الهجوع عشوة)، وكان الكريم يوصف بصاحب السكين الحمراء الذي هو في سعي دوؤب لرفادة الضيف ووفادته، وهكذا تحكي القيم الإنسانية والدينية عن الخلق الجميل وتدعو إلى مكارم الأخلاق (وحبِ لأخيك ماتحبه لنفسك)، وفي المجتمع السوداني يُحف الضيف بهالة خاصة تجعله ملكاً متوجاً في عرش الأسرة بدءاً من الصغار والجار مرورا بأهل البيت وكل يسع لتقديم مايجود به لإكرام ووفادة الضيف ويتسابق الجميع في إكرامه.
مادعاني لتسطير هذا المقال هو ذاك القرار الذي لايشبه مجتمعنا ولاينتمي إلينا بصف ، ولانعرف له مرجعية في أثر المجتمع السوداني أن يصدر والي ولاية الخرطوم قرارا من شأنه تلويث الصورة الذهنية للمجتمع السوداني الذي لايأكل وضيفه جائع، فالرسول الأكرم حث الجار على تفقد جاره وحذر من مغبة أن يبيت شبعان وجاره إلى جواره جائعا، يظهر هذا القرار عدم الفهم العميق للتميز المجتمعي ويُظهر السودانيون بخلاء يحبون أنفسهم وروائح قدورهم وعجينهم يزكم أنوف جيرانه الجوعي ، وأي جيران هم؟؟،
هم الجيران الذين غادروا ديارهم والحروب تقصف على رؤوسهم المدافع فتغتال كل أمانيهم وتفرق جمعهم! أليسوا هم الأجانب الذين تقاسموا معنا الحياة بزمهرير شتائها وحر سمومها، وتعايشوا على انقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي ما عرفوه إلا في ديارنا؟ أوليسوا هم الذين وقفوا في صفوف الغاز والخبز والبنزين وعاشوا معاناتنا بكل تفاصيلها ، أوليسوا هم الذين فُتحت لهم الأبواب حين عسرتهم وعاشوا بيننا يتوسدون وجع فراق الأوطان وتشتيت الشمل وتفرق الأقارب، أبعد كل هذا تمنع عنهم كسرة الخبز بقرار يفتقر للقائد الحصيف والراعي القوي الحكيم.
قرار والي ولاية الخرطوم أيمن نمر يشير إلى عدة مؤشرات أهمها أن القيادة تفتقد البوصلة التي تهدي إلى سواء السبيل، وأنه يفتقر الحنكة في إتخاذ قراراته ويؤكد أن البطانة التي يستشيرها تحتاج إلى جهد كبير في تعريفها بهوية المجتمع السوداني وأصوله حتى لايقال إن السودان يمنع كِسرة الخبز عن الغرباء فيهلكهم بالجوع، بأمر الحاكم الذي هو مسئول عن رعيته ولم تحُدد تلك الرعية بمنحها رقما وطنيا يستوجب إبرازه عند الوقوف في صف الخبز التي أصبحت تُقاس بميزان لم نسمع عنه من قبل.
يحتاج الوالي إلي الخروج من دائرة الثورية والهتافية إلى دائرة الإستراتيجيات والتخطيط السليم الممنهج المبني علي كل المعايير المستصحب فيه كل المتغيرات السالبة والموجبة ومن ثم يأتي قراره وإلا ستتغير ملامح الوطن ليصبح
حتى الطير يجييها جعان ومن أطرافه قنع.
ويصبح السودان الوطن الذي يجِوع حاكمه رعاياه.