بابكر يحي
ورد في الأخبار أن مديري الجامعات السودانية ناشدوا السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ببيان مشترك تقدموا فيه بشكوى عن (تأخر المرتبات) ؛ مرتبات العاملين بالتعليم العالي ؛ وبحسب متابعتي فإن الأساتذة الجامعيين لم يصرفوا مرتبهم لشهر يناير حتى الآن ؛ أي بعد مرور أكثر من ٤٨ يوما ؛ وهذا ما دعى مديري الجامعات لمناشدة رئيس الوزراء – شخصيا- للتدخل لمعالجة هذا الأمر وللأسف (أخرجوه للرأي العام) ؛ لعل خبرة مسشاريهم الإعلاميين ضعيفة في التعامل مع مثل هكذا قضايا …!
حزنت جدا للمحتوى الذي تضمنه البيان ؛ حزنت لواقع بائس تشهده جامعاتنا السودانية ؛ حزنت لدناءة مطلب علمائنا الأجلاء (مدراء الجامعات) ؛ حزنت لأنهم تحدثوا عن (أبسط الحقوق) وهي لا تحتمل (الإشارة) ناهيك عن (النقاش) ؛ حزنت لأنهم (تقذموا) لمرحلة بعيدة ! ما كان لهم أن يصلوها ؛ ما كان لصفوة الأمة السودانية أن يناشدوا رئيس الوزراء مطالبين (بمرتبات العاملين) رغم أنه مطلب شرعي ويعكس إلى أي مدى أن الدولة غير مهتمة بأمر التعليم..؟!!*
فقد كان الرجاء والأمل أن يتحدث العلماء عن مشاكل البلاد الكبيرة ؛ عن أزماتها المستفحلة ؛ عن واقعها المظلم ؛ كان الرجاء أن يقدم مدراء الجامعات مذكرة تشخيصية (للداء والدواء) لما تمر به بلادنا اليوم ؛ كنت أظنهم يدعون لمصالحة وطنية؛ كنت أظنهم يتحدثون عن كرامة الإنسان السوداني ؛ كنت أظنهم يحملون معهم مبادرة عملاقة كالتي قدمها البروف حسن مكي والدكتور محمد محجوب هارون للبشير قبيل الثورة وعرفت وقتها بمذكرة أساتذة الجامعات؛ كنت أظنهم اضطلعوا على التجارب السابقة ولبثوا ثوبا قوميا علميا كبيرا وفي ذهنهم مؤتمر الخريجين وكل تجارب العلماء من قبلهم؛ لكنهم وللأسف تحدثوا عن (مرتبات)؛ مرتبات لا تسمن ولا تغني من جوع..!!*
كان الأمل في أن يترفع هؤلاء العلماء عن الصغائر ويستلموا زمام المبادرة في البلاد وهذا دورهم الرئيسي لأن المبادرات الكبيرة من وظائف دوائر المعرفة ؛ ودوائر المعرفة مطلوب منها أن تتنبأ للمستقبل ؛ مطلوب منها أن تنبه الحكومات للكوارث قبل وقوعها ؛ أما (المرتبات) وما يتعلق بمستحقات العاملين فهذه (سفاسف أمور) ينتهي نقاشها عند (النقابات) ولا تصل لمرحلة (الأساتذة) ؛ ناهيك عن (مدراء الجامعات) ..!!*
فإذا كان مديروا الجامعات وهم في أعلى هرم المعرفة في بلادنا؛ يتحدثون مع قيادة الدولة في المرتبات ؛ فمن الذي يتحدث عن النهضة العلمية ؟ من الذي يقول للساسة أخطأتم !! في كذا وكذا ؟ من الذي يحتج في كبريات القضايا وأمهات المشاكل ؛ ومصادر الصعاب ؟ من الذي يصنع الحلول الجبارة والجريئة ؟ من الذي يتحدث عن (الفقر العلمي) و(المنهجي) و(تدمير الأجيال) إن لم يتحدث عنها مديري الجامعات..!!*
صفوة القول
ما كان العشم – أن يتقذم مديروا الجامعات لهذه المرحلة ؛ فقد كان الأجدر بهم أن يتحدثوا عن واقع التعليم ومستقبله ؛ كان الأجدر بهم أن يتحدثوا عن غياب المحكمة الدستورية لعامين كاملين ؛ كان الأجدر بهم أن يتحدثوا عن البحوث والابتكارات العلمية ؛ كان الأجدر بهم أن يتحدثوا عن تقهقر وتدهور وتخلف جامعاتنا السودانية ؛ ويكشفوا للرأي العام سبب تراجع تصنيفها عالمياً ؟! أما مسألة (مرتبات العاملين) فيكفي مجرد احتجاج تقوده نقابات العاملين بالجامعات أو لجان قحتhttp://www.google.com المكلفة بذلك ؛ والله المستعان.*