الطريق الثالث – بكري المدني
كان ذلك عهد قريب كانت فيه بورتسودان التى يحلو لأهلها مناداتها اختصارا بالبورت -كانت جميلة ونظيفة وأنيقة خاصة في الأمسيات
رسم الزمان على ثغرها ابتسامة عريضة ونظرة واثقة مطمئنة وكان باعة القهوة على طول الكورنيش يتجولون بملابسهم المميزة والشباب على الرصيف يلعبون الورق والجمال محفوظ بالعفة ومصان بالتزام الجميع !
كان سيدي دوشكا يغني ملء حنجرته وموردة يرقص بلا عظام والماتش بين حي العرب والهلال نار على الملعب وكانت الحياة هنيئة ورخية وطبق السمك فيها أسرع من الفول!
كانت المدينة قد غادرت المستوي المحلي في التصنيف المديني وأصبحت تنافس إقليميا مدن دول االجوار على ساحل البحر الأحمر وتضع قدمها اليمنى بإسم الله على درج العالمية !
كانت بورتسودان أمان يقطع الزائر لياليها راجلا من الشرق للغرب ومن الشمال للبحر لا يهدده الا قطاع الطريق الذين يدعون للقهوة والسلات!
وكانت البورت من الشمال لليمين (دار النعيم ) لا فرق فيها بين بدويت وبلويت الا بما لا يتجاوز النكات وكان الحاكم (الأبيض) فيها لا ينام ولا يترك أحد ينام -كان كثير الفعل قليل الكلام !
أمس والمواقع تنقل صور الحريق و أفلام الرعب من داخل احياء البورت كان السؤال الممنوع على الشفاه المطبقات يبحث عن إجابة والإجابة ملقاة على قارعة الطريق وأن شئت على طول البحر العريض ولكن من يجرؤ على التقاطها ويرفعها شاهدا على الرؤوس المحنية والجباه التى تكاد تلامس الأرض ؟!
لماذا كل هذا القتل وبكل هذه الوحشية ؟ ما الذي بين القاتل والمقتول اصلا ؟ أي غبن وأي ضغينة واي ثأر مخبوء بين الأمواج ؟! بل اي شجاعة تلك التى تقتال بدم بارد انفسا بريئة وتزهق أرواح بلا ذنب ؟
كيف يحكم على احياء كاملة بالحصار والدمار وكأن المدينة قد تعرضت لغزو أجنبي وان تلك الأحياء تحوى جيوبا للمقاومة ؟!
أين مؤتمر البجا وجبهة الشرق والمسار بل أين العمد والنظار ان غابت الحكومة ؟!
من يجعل الخرطوم تصحو من غفوتها ومن غفلتها ويخبرها ان الموت في البورت وليس في العقبة ؟!
في الوقت الذي تتركز فيه الأنظار على العقبة فإن الموت يحصد احياء المدينة ولا تدري ان كانت تلك انتهازية من الموت الجبان ام توسيع لرقعة الآلام ؟ !
ان على بورتسودان أن تعلم ان ثمة جراح ان فتحت لن يعرف الضماد طريق اليها من جديد وان النزيف سوف يستمر والدم سوف يتحول إلى قيح وصديد وما يمكن علاجه اليوم لا ينفع معه غدا الا البتر
ان المطلوب أولا واد الفتنة ونبذ الكراهية وطرد شيطان الخلاف ما بين المجتمعات والباقي هين !