إسفير نيوز __ جريدة اندبندنت البريطانية
سترفض الحركات المسلحة إبعاد هؤلاء الأفراد غير المؤهلين عسكرياً ما يضع مسألة الترتيبات الأمنية برمتها في خطر
ما إن وقّعت الحركات السودانية المسلحة المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية اتفاقية السلام مع الحكومة الانتقالية في السودان، بعاصمة جنوب السودان (جوبا) في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بدأت تنتشر عمليات استقطاب واسعة وسط فئات الشباب، للانضمام إلى حركات مسلحة بعينها، وإغرائهم بمنحهم رتباً عسكرية، بهدف زيادة عدد أفراد تلك الحركات حتى تظهر كقوة عسكرية كبيرة، تستطيع أن تحقق مكاسب لها في الترتيبات الأمنية المنوط بها تكوين الجيش السوداني الموحد.
لكن، ما تأثير هذا العمل والسلوك الفوضوي في مسألة الترتيبات الأمنية، وصولاً إلى جيش سوداني يضم أفراداً ذوي كفاءة ومقدرة، لديهم تأهيل عسكري عال بعيداً من المجاملة؟
تقنين البطالة
يوضح الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب أن “ملف الترتيبات الأمنية يعاني خللين كبيرين، الأول عدم تحديد عدد قوات الحركات المسلحة التي وقّعت على اتفاقية السلام، والثاني عدم تحديد مواقع تجميع القوات نفسها، بحيث نصّت الاتفاقية أن تكون مواقع التجميع على بعد 50 كيلومتراً من الحدود الدولية، وبعيداً من المدن الرئيسة. وبسبب هذين الخللين، ظهر ما يُعرف ببيع الرتب العسكرية وحشد التجنيد، من أجل زيادة أعداد القوات لبعض الحركات، وهذا أمر مزعج جداً، ومخلّ بالأمن، ويحدث اضطراب في البلد، فضلاً عن أنه يقنّن البطالة بشكل أو بآخر، مما سيؤثر في عملية الترتيبات الأمنية، حينما تبدأ عمليات التجميع والفرز، وسيؤدي أيضاً إلى إشكاليات عدة، حينما يُكتشف أن غالبية أفراد تلك القوات لا علاقة لهم بالعمل العسكري، وأن ما حدث هو مجرد البحث عن مكاسب ومصالح، وقد ترفض تلك الحركات إبعاد هؤلاء الأفراد غير المؤهلين عسكرياً، ما يضع مسألة الترتيبات الأمنية برمّتها قاب قوسين أو أدنى”.
وتابع مجذوب، “لا أعتقد أن دمج قوات الحركات المسلحة في الجيش السوداني سيكون له تأثير سلبي كبير، لأنه في البداية سيجري الاختيار وفقاً لقواعد العمل في القوات النظامية التابعة للمؤسسة العسكرية، بحيث سيجري تدريب هؤلاء الأفراد وتطبيق لائحة الانضباط العسكري والقانون العسكري على كل فرد منهم، وهنا سيكون الفارق والمحك الرئيس ما بين الذي يستجيب للعمل لكي يصبح رجلاً عسكرياً منظماً ومنضبطاً، والآخر الذي لا يستجيب للعمل في هذه المؤسسة، بالتالي يتم فصله والاستغناء عنه، خصوصاً أن قيادات تلك الحركات ستكون مشاركة في عملية الاختيار والتأهيل لأفرادها”، مشيراً إلى أن هناك آليات متفقاً عليها لاختيار أفراد الحركات المسلحة للعمل في القوات النظامية، منها شروط الخدمة، تشمل العمر واللياقة الصحية والبدنية والذهنية والسجل الجنائي والرغبة.
لوائح الانضباط
وبيّن أنه في ما يتعلق بالتعامل مع الرتب العسكرية، فإنه “لن يجري منح أي فرد من قوات الحركات المسلحة الرتبة التي حصل عليها خلال فترة عمله في ميدان التمرد، إذ سيُتّبع نظام الوحدات، فكلما أكمل الفرد فصيلة أو سرية أو كتيبة تجري ترقيته، وهكذا إلى أن يصل إلى الرتب العليا. أما بالنسبة إلى القيادات السياسية في هذه الحركات التي تتبوّأ ألقاباً عسكرية عليا، فستخضع لتسويات على المستوى الأعلى، خصوصاً أن هناك مجلساً أعلى سيكون مسؤولاً عن الترتيبات الأمنية”. ونوّه إلى أن القوات المسلحة السودانية تستطيع أن تستوعب هذه الأعداد، بموجب لوائح وقوانين الانضباط العسكري، بخاصة أن هناك تجارب سابقة يمكن الاهتداء بها والاستفادة منها، كاتفاقية 1972 التي وقّعت في أديس أبابا بين الحكومة السودانية وحركة الأنانيا، وجرى خلالها استيعاب القوات التابعة للأنانيا في الجيش السوداني.
وأشار مجذوب إلى أن الفيصل في نجاح هذه العملية، هو توافر الإرادة السياسية للقادة وإرادة الأفراد وانتشار ثقافة السلام ونسيان الماضي المتعلق بالحرب من غير رجعة، لافتاً إلى احتمال ظهور إشكاليات إدارية، تتمثل في ضحايا هذه الحروب والمطالبة بتعويضهم، وكيفية التعامل مع الجرحى والمعوّقين، الذين لا يريدون الاستمرار في الخدمة العسكرية، وغيرها من القضايا، بالتالي فإن الأمر يحتاج إلى مبالغ طائلة ربما تصل إلى أربعة مليارات دولار، وهو مبلغ كبير ليس بمقدور الحكومة السودانية توفيره، مما يجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية بالسرعة المطلوبة.
وأرجع الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية تأخير حسم ملف الترتيبات الأمنية إلى عدم توافر الموارد المالية، إضافة إلى عدم الفراغ من حصر أعداد القوات وضبط القوائم الخاصة بقوات هذه الحركات وعدم تحديد مواقع التدريب والتجميع لهذه القوات، على الرغم من أنه جرى تشكيل اللجان العليا المسؤولة عن تنفيذ هذا الملف.
خرق للسلام
في المقابل، قال الناطق الرسمي للتحالف السوداني حذيفة محيي الدين البلول، وهو تحالف يضم عدداً من الحركات المسلحة، إن “الأزمة التي تتعلق بالترتيبات الأمنية أسهمت فيها الحكومة بنسبة أكبر، وذلك لتعطيلها تنفيذ هذا الملف من دون وجود مبررات منطقية، لأنه بحسب نص اتفاقية السلام الموقّعة في جوبا، فإن تنفيذ هذا البروتوكول حُدّد له بأن يبدأ عقب التوقيع على هذه الاتفاقية مباشرة”.
وفي ما يتعلق بمسألة التجنيد والحشد العسكري، أوضح البلول أن “هناك جهة واحدة معلومة للجميع تعمل على تجنيد أعداد كبيرة من المواطنين الذين لا علاقة لهم بالتنظيمات الثورية، ولم يكونوا جزءًا من الحرب في أي مرحلة سابقة، والمؤسف أن هذا العمل يجري على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية، بل إن تلك الجهة التي تمارس هذا الفعل المشبوه تجد دعماً منفرداً من جهات عسكرية داخل الدولة، وهذا بلا شك خلل كبير وعمل مرفوض، بحيث يمثل خرقاً لبنود الاتفاق الخاص بالترتيبات الأمنية التي وضعت معايير وصفات للأفراد المقاتلين الذين سيجري إدماجهم في المنظومة العسكرية”.
وتوقّع أن يكون لهذا العمل الخاص باستقطاب أفراد غير مقاتلين في الحركات المسلحة من أجل زيادة أعدادهم، تأثير سالب في المستقبل، خصوصاً بعد دمجهم في القوات المسلحة السودانية، لكنه بيّن أن اتفاقية السلام حددت مواصفات المقاتل في أنه الشخص الذي ما زال يعمل في ميادين القتال أيام المفاوضات التي جرت بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، قبل التوقيع على اتفاقية السلام، وكان في الوقت ذاته يحمل السلاح، فضلاً عن الأفراد الذين كانوا جزءًا من الحرب في أوقات سابقة، وهم من يُعرفون بقدامى المحاربين.
صراع داخلي
وعزا الناطق الرسمي للتحالف السوداني، التأخير في تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية على الرغم من مرور أكثر من تسعة أشهر على توقع اتفاقية السلام، إلى الصراع الداخلي بين القوات المختلفة، ممثلاً بالجيش والدعم السريع، لكنه يعتقد بأنه ليس صحيحاً أن السبب في ذلك يرجع إلى قلة الموارد المالية، لأنه تم أخيراً تخصيص مبلغ من قبل وزارة المالية لهذا الغرض، ولم يُصرف حتى الآن.
وحول قدرات وإمكانات قوات الحركات المسلحة، قال “الحركات المسلحة بها أفراد يتمتعون بخبرات كبيرة في العمل العسكري، وأسهموا في تحقيق انتصارات عدة على الجيش السوداني خلال فترات الحرب سواء في دارفور أو جنوب كردفان والنيل الأزرق، لذلك سوف يكونون إضافة حقيقية للقوات المسلحة السودانية، وليس خصماً لها، لكن في الوقت ذاته هناك أفراد آخرين تنقصهم بعض الخبرات، وقد نصّ اتفاق الترتيبات الأمنية على أن تخضع القوات التي سيجري دمجها لتدريبات متقدمة ودورات قبل عملية الدمج”.
رتب وهمية
وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، حذّر ضباط وقادة الحركات المسلحة في دارفور من ظاهرة الرتب العسكرية التي أصبحت تنتشر في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد المختلفة، وذلك من أجل مزيد من الحشد.
وقال خلال مخاطبته مراسم تنصيب والي ولاية غرب دارفور الجديد، الخميس 15 يوليو (تموز) الحالي في مدينة الجنينة الواقعة في أقصى حدود السودان الغربية، “معظم هذه الرتب التي تُمنح لبعض الأفراد وهمية، ولا يستحقونها، فالرتب الحقيقية تُمنح بعد استيفاء شروط الترتيبات الأمنية التي سيجري تنفيذها قريباً”.
ونبّه حميدتي أفراد المجتمع السوداني من عدم الوقوع ضحية هذا الخداع والتزييف، لكنه برّأ حركات الكفاح المسلح الموقّعة على السلام من عمليات التجنيد العشوائية التي تهدف إلى زيادة عددية وحجم القوات، مؤكداً أن القانون سيطال كل من يقوم بالتجنيد الزائف. فيما دعا إلى الالتحاق بمعسكرات التجنيد المفتوحة من قبل القوات النظامية المختلفة، باعتبارها الجهة الشرعية التي تتولّى حماية البلاد ومواطنيها.
كما أبدى عضو مجلس السيادة السوداني رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، في تصريحات صحافية، أسفه لوجود ظاهرة “بيع الرتب العسكرية” من قبل بعض الحركات المسلحة كبيع السلع، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة الخطيرة تعود إلى التباطؤ الذي يحدث في تنفيذ بنود بروتوكول الترتيبات الأمنية.
وأكد إدريس ضرورة الإسراع في تطبيق بنود الترتيبات الأمنية وفقاً لما نصّت عليه اتفاقية السلام الموقّعة في العاصمة جوبا، وذلك لقطع الطريق أمام الجماعات المسلحة المتفلتة، التي لم توقّع على الاتفاقية وتدّعي أنها جزء منها، معتبراً انتشار عمليات التجنيد وسط بعض الحركات المسلحة بأنه نشاط مضاد لثورة ديسمبر (كانون الأول) التي حققت الديمقراطية والعدالة في البلاد، لذلك يجب محاربة هذه الظاهرة بالقانون وعدم السماح لمثل هذا السلوك الخاطئ.
كذلك رفضت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال جناح مالك عقار، الموقّعة على السلام، عمليات التجنيد التي تجري وسط الشباب، مؤكدة، في بيان، أنها ضد أي محاولة لتجنيد أي فرد في أي بقعة من السودان. وقالت، “جيش الحركة الشعبية معروفة أماكنه، وإنها ملتزمة ما هو منصوص عليه في اتفاقية الترتيبات الأمنية، وليست لها صلة بأي عمليات تجنيد”.
واعتبر البيان، محاولات التجنيد وبيع الرتب العسكرية وإصدار أوامر التحرك، بأنها مساعٍ لتخريب السلام، الذي جرى بإرادة سودانية، منوّهاً إلى أن أي فرد يقوم بالتزييف والاحتيال سيطاله القانون، لأن الجيش الشعبي بموجب اتفاقية السلام جزء لا يتجزّأ من الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى.