اسفير نيوز” الحداثة
أعلنت الحكومة الإثيوبية، يوم الخميس الماضي، رفضها أن يقوم السودان بدور الوسيط في مسعى إيجاد حل سياسي للصراع، بين الحكومة المركزية في أديس أبابا، وجبهة تحرير تقراي.
وعزت الحكومة الإثيوبية رفضها، لكون السودان غير مناسب للتوسط، بسبب انعدام الثقة، وبسبب استعادة السودان لأراضيه في الفشقة الحدودية، وهي ما تسميه الحكومة الإثيوبية احتلالًا لأراضيها. فماذا وراء رفض هذه الوساطة وماذا بعده؟
وبحسب المستشارة الصحفية لرئيس الوزراء الإثيوبي، سيوم بيلين، فإن ما يجعل السودان غير مؤهل للعب دور الوسيط، هو انعدام الثقة “مع بعض القيادات”.
وقد تزايدت وتيرة فقدان الثقة، وفقًا لتصريحات الجانب الإثيوبي، بعد انتشار الجيش السوداني في أراضي الفشقة، نوفمبر الماضي.
اللافت في هذا التصريح، على ما يبدو، هو إصرار الجانب الإثيوبي على اللعب على حالة اللاتجانس بين عناصر الحكومة الانتقالية في السودان، الأمر الذي يبدو واضحاً في تعبير المستشارة الإثيوبية بقولها “بعض القيادات”.
وظل الجانب الإثيوبي يستخدم سياسة تجزئة من هذا النوع في التعامل مع السودان في ملف سد النهضة، ولم يكن المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، ولا حتى وزير الخارجية، مكا مكنون، يترددون في اتهام السودان (تحديدًا الجيش) في تمثيل مصالح أجنبية، في إشارة إلى مصر.
أما ربط إثيوبيا قبول الوساطة السودانية بقضية أراضي الفشقة السودانية، فيمكن فهمه بما هو محاولة جديدة من أديس أبابا للالتفاف على دعوات الحل السلمي، حيث تعول الحكومة على انتصار عسكري يمكنها من فرض سياسة الأمر في ملف صراع تقراي الأخير، وهو الانتصار الذي لا يبدو من مجريات الأحداث أنه الأخير. فمنذ أواخر يونيو الماضي، عقب استعادة قوات دفاع تقراي عاصمة الإقليم مقلي، لا تسير الأمور على الأرض لصالح الحكومة. وتعمل الحكومة الإثيوبية، باستماتة لتغيير الواقع العسكري، بالسعي للحصول على أسلحة تغير قواعد اللعب، وبالذات الطائرات المسيرة، وبزيادة حالة التعبئة والتجييش ضد قومية التقراي.
“الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية”، شعار عريض رفعته الحكومة الإثيوبية لرفض وساطات دولية لتسوية خلاف سد النهضة، ثم لتسوية صراع تقراي. ثم تحول الخطاب الرسمي الإثيوبي لخطاب اتهامي يدين كل من يدعو للحل السلمي، بتهمة الانحياز لجبهة تحرير تقراي التي صنفتها الحكومة الإثيوبية كمنظمة إرهابية، وبالعمل لإضعاف إثيوبيا.
وتنامى في إثيوبيا خطاب وسلوك رسمي وشعبي معاد للغرب وللمنظمات الدولية، وصل مرحلة طرد الحكومة الإثيوبية لاثنتين من أكبر منظمات الإغاثة في العالم، الأسبوع الماضي، منظمتي أطباء بلا حدود والصليب الأحمر النرويجي، وأيضًا بذات التبرير الذي ترفض به الوساطة السودانية، وهو الاتهام بالتحيز وانعدام الثقة.
وتشير دلائل عديدة، إلى نفاذ متسارع لصبر الغرب، على سلوك الحكومة الإثيوبية، يتمثل في الدعوات التي انطلقت للحل السلمي والتفاوضي من الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مع التلويح بفرض المزيد من العقوبات للضغط على الحكومة الإثيوبية لقبول الحل السلمي. كما أدان الموقف الغربي، بشكل صريح، طريقة إدارة الحكومة للصراع في تقراي عن طريق التجييش ضد قومية التقراي، حيث وصفت مسؤولة الإغاثة الأمريكية، سارا باورز، خطاب الحكومة الإثيوبية بكونه خطاباً يحط من قيمة البشر، وبالتالي يمهد للإبادة الجماعية.
وقالت باورز، في تغريدة لها بعد زيارة لأديس أبابا مرورًا بالخرطوم، إن الحكومة الأمريكية تدعو لانسحاب القوات الإريترية من كامل التراب الإثيوبي، وانسحاب قوات التقراي من إقليمي عفر وأمهرا، وانسحاب قوات إقليم أمهرا من منطقة غرب تقراي.
ويستبعد معظم المحللين، قبول الحكومة الإثيوبية لهذه الشروط، إذ يعني قبولها أن الحكومة تخلت عن كل أهداف الحملة العسكرية الكبرى التي ابتدرتها مطلع نوفمبر الماضي، بعد هجوم الجيشين الإثيوبي والإريتري وقوات إقليم الأمهرا على قوات إقليم تقراي، وكان الهدف هو تحييد أكبر خصم للحكومتين الإثيوبية والإريترية (جبهة التقراي)، واستعادة إريتريا لأراضي منطقة بادمي المتنازع عليها مع تقراي، وحصول قومية الأمهرا على الأراضي الخصبة التي يدعون ملكيتها غرب تقراي، وهي المناطق المتصلة مباشرة بالسودان.
وتقاتل جبهة تحرير تقراي أصلًا لاستعادة أراضي غرب تقراي حاليًا، لاستكمال سيطرتها على كامل الإقليم، واستعادة حدود الإقليم قبل انطلاق الحرب في نوفمبر، مقابل استماتة من قوات إقليم أمهرا في التشبث بهذه الأراضي، التي يعتبرونها حقهم التاريخي الذي صادره التقراي، إبان سيطرتهم على مقاليد الأمور في أديس أبابا منذ 1991 وحتى 2018
والمبادرة السودانية، أو أي مبادرة أخرى ستكون مرفوضة من الجانب الحكومي، لاعتبارات متعلقة بطبيعة التحالف الذي يدير من خلاله آبي أحمد البلاد، وهو تحالف قاعدته الأساسية من دعاة الدولة المركزية ومعارضي النظام الفيدرالي المركزين في إقليم الأمهرا.
ويمكن تفسير رفض الحكومة الإثيوبية لمبادرات الحل السلمي المختلفة، كمحاولة لشراء الوقت ريثما تفرض الأمر الواقع عسكريًا وسط تدهور أمني واقتصادي مستمر في عموم إثيوبيا.
ويوم الجمعة، أعلن المتحدث الرسمي باسم جبهة تحرير تقراي، عدم قبولها لوقف إطلاق النار قبل انسحاب كل القوات الأخرى من أراضيها وضمان وصول المساعدات للمتضررين من النزاع الأخير.
وتقدر المنظمات الدولية عدد المحتاجين لتدخل إغاثي عاجل في تقراي بخمسة ملايين مواطن.
والسودان، هو أكبر مستضيف للاجئين من الصراع في إثيوبيا الذي يقترب عددهم من 80 ألفاً، كما يمتلك المعبر الحدودي الأكثر ملاءمة لتوصيل المساعدات لإقليم تقراي مع استبعاد ميناء عصب الإريتري، والاضطرابات الأمنية في إقليم عفر والصومال التي تضعف حظوظ طريق جيبوتي.
واستضافة اللاجئين وامتلاك المعبر الآمن للمساعدات، هي أقوى أوراق القوى الناعمة بيد السودان، الذي يترأس رئيس وزرائه، عبد الله حمدوك، مجموعة دول الإيقاد حاليًا، ويمكن أن يتحرك من خلالها، بالإض