هيثم الفضل .. يكتب وزارة التربية والتعليم الى اين المصير
كتب” هيثم الفضل
بعد أن تيَّقنا بأن شعار (مجانية التعليم) ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، أصبح شأنهُ شأن العديد من التطلُّعات الشعبية واحداً من الأماني (السرابية) والمستحيلة التي إعتقد معظم الشعب السوداني أن الحكومة الإنتقالية ستوليها أقصى إهتماماتها وإمكانياتها ، بات بالضرورة ومن باب التوافُق مع الواقع أن يستمر (نضال) أغلبية الشعب السوداني للخروج بأقل قدر من الخسائر المادية والمعنوية في معركته مع مافيا التعليم الخاص ، هذه المافيا التي صنعتها الإنقاذ البائدة لثلاثة أسباب رئيسية وإستراتيجية ، أولاها تغطية أوجُه الفشل والإهمال الذي حدث في القطاع التربوي الحكومي بسبب تقليص الصرف عليه من أجل توفير الأموال للمشاريع التنظيمية لحزب المؤتمر الوطني البائد ، على مستواها السياسي والعسكري والأمني وذلك دعماً لموقفها كقوة غاشمة في معركتها ضد الشعب السوداني ، وثانيها عبر (توسعة) أبواب قطاعات الفساد العام في الدولة إستحدثوا ما أسموه ثورة التعليم العالي للقضاء على التعليم الحكومي إتقاءاً لدورهِ السياسي في حراك المعارضة ونضالات التغيير عبر توطيد أُسس(التمكين) الإستثماري في مجال التعليم الخاص لمنسوبي الحركة الإسلامية ، أما السبب الثالث والأخير فيتمثَّل في تفعيل منهج الإستلاب الفكري والثقافي وكذلك الإستقطاب السياسي عبر (إحتكار) قطاع التعليم الخاص في دائرة منسوبي الحركة الإسلامية ومن والاهم من النفعيين والداعمين ، فضلاً عن إستهداف تحقيق التأثير الإيجابي لصالح النظام الحاكم وفي المقابل التأثير السلبي على التاريخ السياسي الوطني على مستوى الوقائع والنتائج والشخوص ، مستخدمين في ذلك كل السبل التعليمية والتربوية المتوفِّرة بما فيها المناهج والمعلمين والتبعية التنظيمية لأصحاب ومُلَّاك مؤسسات القطاع التربوي الخاص.
كل ما سبق يظل ملفاً بالغ الأهمية لما لهُ من تأثير على مستقبل البلاد ومستقبل الأسر السودانية متوسطة الدخل والفقيرة ، فالتعليم الحكومي المتوفِّر حالياً لا يمكنهُ إستيعاب أكثر من ما يعادل الـ 45 % من طلاب مرحلتي الأساس والمتوسطة والثانوي بحسب إحصائيات غير رسمية تم تداولها في الكثير من المواقع المتخصِّصة الموثوقة ، كما أن الإكتظاظ الواقع الآن في المدارس الحكومية خصوصاً في مرحلة الأساس لهُ الكثير من النتائج السلبية على جودة العملية التربوية والتعليمية ، فضلاً عن ما تستوجبه الإشتراطات الصحية لجائحة كورونا ، لذا أصبح من الضرورة بمكان أن تتعامل وزارة التربية مع قطاع التعليم الخاص ولو (مؤقتاً) كواقع لا بد من الإعتراف به والتعامل معهُ إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا ، وأن تمتد يدها لمساندة أولياء الأمور الذين يعانون مع بداية كل عام من زيادات غير واقعية ولا منطقية في الرسوم الدراسية لقطاع التعليم الخاص ، فإن كانت الحكومة الإنتقالية قد وجدت من الأسباب الهامة والمنطقية ما يدفعها للعمل على تحديد أسعار 10 سلع غذائية أساسية متعلِّقة بضروريات معيشة المواطن المغلوب على أمره ، فمن باب أولى أن يُضاف إليها أيضاً تحديد وإدارة ومراقبة (أسعار التعليم) طالما أن أقدارنا لم تزل تأبى مراوحة بلادنا مرحلة إعتبار التعليم والتربية (سلعةً) تُباع وتُشترى في الأسواق ، وواقع الحال والحقيقة المُرة يؤكِّدان أن التعليم لم يزل سلعةً يتم تداولها بـ (إبتذال) و(جشع) في أسواق بلادنا المتطلِّعة للحرية والعدالة والنماء المُستدام ، فعلى الأقل (أشرفوا) و(إديروا) و(أكبحوا) جماح هذا السوق الذي إن إستمر هكذا بلا رقيب ولا حسيب وإستطال أمد ترك الحبل على القارب ، سيكون للجهل وإستشراء الأمية مقاماً مُقدَّراً في مستقبل أيامنا ، وستكون السِمة الأساسية لجيل الغد الذي يُعد السودان الجديد لأجلهِ مُجرَّد (الضياع والخيبة).