رؤى
واصلة عباس
عندما تحملك الخطى مجبرًا حيث لاتعرف إلى أين المسير وتجد نفسك منافحاً ومدافعاً لتوضيح حقائق تغاضى من حولك عنها وغضوا الطرف غير آبهين للنظر إلى كنه الحقيقة، مخيرين عليها حكايات من نسج خيالهم ومستندين إلى دوافع سمعية تجعلهم في حاجة ماسة لردع حاسم يجعلهم يقفون في الحدود الملزمة لهم ويمنع تخطيها.
في نيابة أمن المعلومات القابعة في محلية بحري قادتني إليها ملمات الحياة مجبرة، فالقانون لم يكن إلا إحقاقًا للحق وإظهاره ومعرفة إتجاه لك أو عليك.. لهذا توقفت في مبنى النيابة الواقع جنوب شرق جامعة الزعيم الأزهري في شارع قصي وبعد جهد ووصف معلول أنهكني وجدت نفسي أمام مبنى شاهق على مدخله لافتة أنيقة تؤكد أنني في المكان الصحيح.. والمقصود، صعدت درج السلم لينتابني تساؤل من الهدوء القاتل الذي يكتنف جنبات المبنى وأثر الأتربة التي تعلوه وتناثر الكثير من قطع الأثاث هنا وهناك.. وأنا في صعود فوق الدرج الخرساني بدأ التوجس يدب في أوصالي من هذا الصمت المطبق والهدوء المريب حول المبنى.. وعند صعودي للدور الثاني أوقفني صوت اختصر كل توجسي وخوفي في كلمة (الجماعة ديل رحلوا).. جاء وقع الكلمة على رأسي كضربة موجعة زادت ماعلق بي من ألم الذي جعلني أبحث عن كنه الحقيقة في ردهات هذه العمارة الخاوية.. لم تُكلف إدارة نيابة أمن المعلوماتية نفسها بنزع اللافتة من مدخل المبنى أو تضع على المدخل عبارة توضيحية إلى أين ذهبوا.؟ ظللت في تساؤل ترى إلى أين المسير؟ وكيف الطريق؟.. وأين أجدهم؟ فكانت الإجابة..
حملت خطواتي وخرجت من المبنى متجهة نحو سائق مركبة ليقلني إلى العنوان المقصود.. ولكن يبدو أن العنوان كان إما خطأ في الوصف أو خطأ في المكان؟ وغادرني صاحب المركبة وقد أخذ أجرته كاملة دون أن يوصلني للوجهة المقصودة.
لم يكن المبنى هو المقصود فقد كان مقرًا لإحدى إدارات لشرطة. كان الأمر محبطا والوقت تمضي في عجل وكل من حولي لايعرف المقر الجديد حتى المحامي كان رده أنه لايعرف إلى أين ذهبت إدارة نيابة جرائم المعلوماتية؟.
لم يكن أمامي مفر من العودة إلى حيث جئت فليس بإمكاني البحث عنها في تخوم مدينة بحري، سيما وأن الأمر محال فاستقليت مركبة أخرى لعودتي بيد أني أستفسرت سائقها فكانت إجابته المفرحة لي وهو يؤكد معرفته للموقع الجديد كان خبرًا سارَا بالنسبة لي أشعرني بنجاحي في مهمتي وسيحول دون العودة مجددا للبحث في يوم آخر.
وعقب انتهائي من الإجراءات المتبعة كان الأمر يتطلب الذهاب إلى مكاتب التحقيقات الجنائية غرب جامعة الزعيم الأزهري أي العودة للمربع الأول، عندها أبديت دهشتي وتساؤلي ما الذي يجعل إدارتين مكملتين لبعضهما البعض يتم توزيعهما بمثل هذه الكيفية التي تمثل إهدارا للموارد من خلال حركة التواصل فيما بينهما ومابين المستفيدين والإدارة وفي ذلك ضياع للوق الذي ينتهي في الطرقات المزدحمة دوما والمركبات الأكثر صرفًا ماليًا وفي هذا التوزيع تكمن المعاناة الفعلية والحقيقية للمواطن الذي أصبح يعاني في التوفيق بين الإدارتين رغم أن الإجراءات سلسة ومريحة لاتكلف الوقت.
أما منسوبو الإدارة فهم أصحاب النصيب الأكبر من المعاناة اليومية في طرق التواصل المجهدة ما المانع من دمجهما سيما وأن الشرطة في خدمة الشعب.
وفي مكتب التحقيقات الجنائية كان الوضع غير، ظللت أحدق في تلك الوجوه المضطربة والباكية، فغالبية الموجودين من الشباب والفتيات وعيونهم الحائرة تتفقد أركان صالة الانتظار وسيماهم توضح أنهم ضحايا ويزداد رعبهم مما أحاط بهم لانه حتمًا أمر عظيم، ونظرا لحضوري المتأخر بعد رحلة البحث المضنية عن المقر الجديد وجدت الكثيرين في الانتظار مما يتطلب مني أيضًا الانتظار مثلهم حتى يتم التحري.
قطع انتظارنا حديث إحدى المنتظرات وهي تقول في أسى (الله يقطع الواتساب وسنين الفيسبوك) ومن خلال سردها ادركت حجم مأساتها التي دفعتها للحضور شاكية تحتمي بالقانون من عبث مستخدمي الإنترنت.
وظلت تردد عبارة ( حسبي الله ونعم الوكيل عليهم)، قاطعها آخر مضيفا أن القانون ملزم بحمايتهم وسرد ما حدث له مع (الفيس بوك) وكيف أن الأمر تسبب له في أذى نفسي كبير وجعل ثمة ضباب في علاقته مع أهل بيته التي صارت على هاوية ربما تعصف بهم.
هنا يكمن السؤال لماذا الاستخدام السيئ لتلك النعمة التي كان علينا الاستفادة منها في تمتين عُرى العلاقات الاجتماعية وتطوير الذات والتعلم والمعرفة؟ ما الذي جعل وسائل التواصل سيفا مسلطا في رقاب المجتمع وتكون هي وسيلة للتشفي وهتك الأعراض دون بينة، متناسين قوله الكريم جل وعلا ( فتبينوا أن تصيبوا قوم بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين) صدق الله العظيم، وقول سيد الأنام (ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذئ). والمجتمع يقول (البتسوي بأيدك بيغلب أجاويدك) فلا يعقل أن تقوم بتنشيط حساباتك بمبلغ زهيد لتنتهك حرمات لاتقدر بثمن.
احذروا لعنة وسائل التواصل الاجتماعي فإنها شر مستطير إذا لم تحسنوا استخدامها وتذكروا أن القانون رادع ولهذا سيتمسك كل مجني عليه بحقه القانوني كاملًا والمطالبة بالقصاص لكل من تسول له نفسه العبث والإساءة والتشهير بكرامة الآخرين وسمعتهم ولهذا لا يمكن أن تكون هنالك أي مداخل للتسامح والعفو سيما وأن القانون لايحمي المغفلين.