(1)
إلى متى نظلُّ نخدع أنفسنا بهذه الشلة التي تتحكم في مفاصل الدولة وهي لا تملك خارطة طريق ولا خُطة للخروج من أوحال الأزمات والفوضى، فهل ننتظرها حتى تُسلم قيادنا إلى المؤتمر الوطني مرةً أخرى عن طريق طبخات تجري الآن سراً وعلانيةً، أم ننتظرها لتضعنا تحت رحمة المحاور الإقليمية والدولية، وهل نظل نتفرج على حلبة صراعاتها ونزاعاتها فيما بينها؟ وحتى متى نظل نتصالح مع عبارة : (دمار تلاتين سنة عايزين نصلحو ليكم في سنتين وتلاتة) لتبرير الفشل والتقصير؟…إلى متى والأيام ما فتئت تُثبتُ يوماً بعد يوم أنّ كثيراً ممن يتقدمون الصفوف الآن هم مجرد “خاطفين” يتصارعون على رفاة الوطن وأشلاء المحرومين والمقهورين ولا يفعلون أفعال رجال دولة… عناصر متشاكسة متصارعة متنازعة بلا كفاءة ولا خبرة في شؤون الحكم وإدارة الدولة، تخشى الانتخابات كخشيتها الموت لأنها تكشف أوزانها واحجامها الحقيقية وتسعى إلى إطالة أمد الفترة الانتقالية، وتعطل مسيرة الانتقال وتضع العراقيل أمام قيام المجلس التشريعي ومجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية وتُمعن في ذبح العدالة التي هي أهم أضلاع شعارات ثورة ديسمبر، بينما الشعب السوداني يموت قهراً وكمداً تحت وطأة الغلاء والضائقات المعيشية…
(2)
سنظل نخادع أنفسنا إذا ظننا ولو للحظة واحدة أننا سنعبر وننتصر بهذه الجوقة من الأحزاب فاقدة الرشد السياسي والخبرات والكفاءات وفنون الإدارة وقد كررنا ذلك في كتاباتنا يا حمدوك وقلنا لك لن تعبر بهؤلاء، والدليل أننا نتراجع في كل يوم وفي كل مجال، ما عبرنا متراً واحداً بل تراجعنا آلاف الكيلومترات، وما تقدمنا قيد أنملة بل تأخرنا كثيراً يا حمدوك… وبينما تدخل ثورتنا عامها الثالث ظلت قضايا الانتقال ومهام الفترة الانتقالية معلقة بسبب الصراع والمحاصصات والتمكين الحزبي و”الحفر” والتآمر وكيد الأجسام الثورية لبعضها وتخوين بعضها البعض بينما الشلة الصغيرة المتحكمة تتمدد وتهيمن وتفرض أجندتها وقوى الثورة الحقيقية غائبة، والحاضرة منها تمعن في الكيد لبعضها وسلاحها في ذلك اتهام كوادرها بـ”الكوزنة”… يا عالم إنتو بوضعكم الحالي هذا لستم بأفضل من “الكيزان” حتى تبعدوا زملاءكم بهذه (التُهمة) الفجة الساذجة، فأين كنتم عندما اعتلى هذا “الكوز” أو “ذاك” ظهر ثورتكم حتى بلغ ما بلغ… هراء…
(3)
فقد ثبت جلياً أن الشُّلة الصغيرة المتحكمة في شؤون الدولة، حالياً لا تريد انتخابات ولا تريد تحولاً ديمقراطياً، ولا دولة مدنية ولا تريد مجلساً تشريعياً ولا محكمة دستورية ولا مجلس قضاء ولا حتى حريات، ولا إظهار نتائج تحقيقات فض الاعتصام ولا الاقتصاص لشهداء الثورة… بل تريد إطالة أمد الانتقالية، والهيمنة والتسلط والانحراف عن مسار الثورة وأهدافها..
(4)
الحل عندي الرجوع إلى العهد الأول الذي قطعتموه مع الشعب في أيام الثورة الأولى وهو إسناد الأمر إلى كفاءات من التكنوقراط يختارهم الثواربعيداً عن الأحزاب وبعيداً عن العسكر ، فأكرم لكم أن تتركوا ما تبقى منها للتكنوقراط ، وتفرغوا لبناء أحزابكم واستعدوا للانتخابات، على الأقل لنضمن إيقاف المشاكسات والمكايدات وحلبات الصراع والعنتريات، لأن هذه الفترة حساسة وعلى درجة خطيرة من الهشاشة ولا تحتمل الصراع، وأن ينصرف العسكر لفرض الأمن وهيبة الدولة بالقانون بدلاً عن التدخل في السياسة والعمل الدبلوماسي وترك مهامهم الأساسية في حفظ الأمن، حتى يتفرغ الحكام “التكنوقراط” لبناء مؤسسات الحكم من مجلس تشريعي ومفوضية انتخابات وجهاز قضائي مهني ومستقل ومحكمة دستورية، واستكمال السلام والعدالة الانتقالية… الحل هو إبعاد كل هذه الأحزاب المتصارعة والتي فشلت وتركت الفراغات لـ “الشلليات” و”العسكر”، وأعاقت بناء المؤسسات بصراعاتها واختلافاتها، (لوعندكم فصاحة اعملوها في الانتخابات)… اللهم هذا قسمي فيما أملك… ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق انه يراك في كل حين.