Site icon اسفير نيوز

وزير مجلس الوزراء خالد عمر يرد علي د. مزمل ابوالقاسم

أرسل لي الأستاذ د. مزمل أبو القاسم الكاتب و الصحفي المجود مقالاً خطه يراعه يوم الثاني عشر من ديسمبر 2018 قبل إندلاع ثورة شعبنا المجيدة مباشرة، يصف فيه الحال آنذاك واصفاً الأوضاع بالغة السوء بداية ب “صفوف السيارات تمتد بالكيلومترات أمام محطات الخدمة في كل أرجاء السودان، و الشُح يشمل البنزين و الجازولين في آنٍ واحد، و لا يستثني الغاز” و إستطرد قائلاً “غياب مركبات النقل العام من المواقف، و تعطلت الحركة بسبب غياب المواصلات.” ثم عرج على أزمة الخبز وقتها بالقول أن “صفوف الخبز تتطاول في كل المخابز، و فِي كل مخبزٍ يوجد صفان، أحدهما للرجال و الآخر للنساء.” ثم دلف لوصف الوضع في الجهاز المصرفي الذي وصلت حالته حينها على حد تعبيره “عجزت البنوك عن توفير الحد الأدنى من من الكاش لعملائها، فإنصرف الناس عنها، و فقدوا ثقتهم فيها” ثم تحدث عن قيمة العملة الوطنية قائلاً “سعر الدولار تجاوز الثمانين جنيهاً، و يسير إلى إرتفاع، و باتت للدولار عدة أسعار” و أن “الفارق بين سعر الآلية و سعر الموازي وصلت أربعين جنيهاً، و ترتفع بوتيرة مرعبة وفي السودان الحافل بالعجائب إقترن الكساد بالتضخم، و فاقت نسبة الأخير 70‎%‎ . ثم تحدث د.مزمل عن وضع الدواء قائلاً “الدواء تحدثت الأخبار عن تراجع رصيد الإمدادات الطبية من غالبية الأدوية المنقذة للحياة، و تحدث وزير الصحة الإتحادي محمد أبو زيد مطالباً البنك المركزي بتوفير (400) مليون دولار، لوضعها تحت تصرف الصندوق القومي للإمدادات الطبية و مجلس الأدوية كي لا تستفحل أزمة الدواء” و أخيراً وصف الوضع داخل الشرطة قائلاً “أما وزير الداخلية فقد دق ناقوس الخطر بحديثه عن حدوث تسربٍ كبير من قوات الشرطة بالإستقالة، بسبب ضعف المخصصات”

 

أردف د.مزمل أبو القاسم إرسال هذا المقال بعبارة أرسلها منبهاً ومشفقاً قال فيها “ما أشبه الليلة بالبارحة و ما أشبه الخلف بالسلف و العاقل من إتعظ بنفسه و العاقل من إتعظ به الآخرون” و لو سمح لي أستاذي العزيز د.مزمل بالإختلاف معه فإننى أرى أن بصيرة زرقاء اليمامة التي أعانته في كتابة مقاله في ديسمبر 2018 لم ترافقه و هو يشبه واقع حالنا الآن بتلك الأيام الكالحات.

 

بداية أشكر للأستاذ مزمل توثيقه لتلك الأيام التي بلغت فيها روح شعبنا الحلقوم، لم تكن الضائقة المعيشية فقط هي مصدر غضب شعبنا و ثورته، بل رافق ذلك الإستبداد و تكميم الأفواه و الحروب الأهلية و الإبادة الجماعية و الوجود في كافة قوائم الإدانة و الحصار العالمي. ثار شعبنا فإسترد حريته و أوقف الحرب الأهلية متوصلاً لإتفاق سلام السودان و لا زالت الخطى تسير لإستكماله و خرجت بلادنا أخيراً من قوائم الإرهاب العالمي و وصلنا نقطة إعفاء ديون تطاول أمدها و صرنا موقع إحتفاء العالم و اقتداءه بعظمة ما انجزه شعبنا، ليس هذا فحسب بل سارت حكومة الشعب الإنتقالية خطى حثيثة في معالجة الضائقة المعيشية التي أسهب د.مزمل في وصفها فنجحت في غالبها و تبقى بعضها وهو ما سأوضحه تباعاً فيما يلي:

 

1. صفوف الوقود لم تعد تمتد بالكيلومترات كما كان الحال، إختفت الصفوف بعد تطبيق حزمة سياسات الحكومة الأخيرة و انتهى سوق الوقود الموازي وتم ترشيد الإستيراد عبر آليات خففت الضغط على النقد الأجنبي و بدأت الدولة سياسة زيادة الإنتاج النفطي للوصول للإكتفاء الذاتي في سنوات محدودة.

2. تناقصت صفوف الخبز بصورة كبيرة للغاية بعد إتباع الحكومة الإنتقالية لسياسة التوسع في إنتاج القمح المحلي الذي شهد في العامين الماضيين ارقاماً غير مسبوقة في الإنتاجية، كما وفرت الدولة عبر صلاتها الخارجية و الإستيراد المباشر مخزوناً يضع بلادنا في موقف مريح حتى نهاية هذا العام يجري العمل هذه الأيام في توفير قمح العام 2022.

3. انتهت أزمة الكاش تماماً و صارت قصة من الماضي، كما اختفى سوق الدولار الموازي و لم تعد هنالك أسعار متعددة للدولار كما كان الحال عليه في السابق، حدث هذا بعد عامين من تدهور سعر العملة الوطنية لنصل اخيراً لنقطة إستقرار نأمل ونعمل أن تستمر و لا نعود إلى تلك العهود الكالحة.

4. تقلصت فجوة الدواء في الإمدادات الطبية من 400 مليون دولار كما كان الحال في العام 2018 إلى 32 مليون دولار الشهر الماضي و ديون تراوح ال 60 مليون دولار. و تم بحمد الله توفير مبلغ ال 32 مليون دولار عن طريق محفظة السلع الإستراتيجية و وزارة المالية و الإمدادات الطبية و بدأت عملية فتح إعتمادات إستيراد الدواء الناقص في مخزون الإمدادات الأسبوع الماضي و من المتوقع إنتهاء هذه الفجوة تماماً قبل منتصف هذا الشهر مع وضع برنامج محكم حال تنفيذه بواسطة وزارة المالية فإن هذه الفجوة لن تتكرر مرة أخرى.

5. وضعت الشرطة معالجات لضعف المخصصات عبر حزمة نفذتها بالتعاون مع وزارة المالية بدأت في يوليو الماضي، نأمل في تطويرها لتفي بإحتياجات هذا القطاع المهم في بناء بلادنا وتأمينها.

6. تم معالجة كل هذه الإشكاليات و لا زالت أمام ثورة شعبنا مصاعب لتقطعها بما يحسن حياة الناس و يجودها .. لا زالت مشاكل الغلاء و التضخم و البطالة و الكهرباء تنتظر المزيد من العمل و الجهد، و هو ما سيتحقق بإذن الله طالما ظل شعبنا مستمسكاً بثورته و حامياً لها و مستكملاً لأهدافها.

 

الوضع ليس وردياً الآن، و لا زالت بلادنا تعاني وتكابد و تسعى للفكاك من عقود من الخراب و الدمار الذي حاق بكل ركن فيها .. المهمة ليست سهلة بل شاقة و تتطلب صبراً على المكاره و رؤية لا تزيغ عن أولويات شعبنا و قضاياه .. هنالك أخطاء تقع و بطء في بعض الأحيان .. نسقط و ننهض فالبشر لا يعرفون الكمال .. لا نسير في طريق ممهد مفروش بالورود بل نمشي على شوك الثورة المضادة و ضعف مؤسسات الدولة و حوجتها للإصلاح .. مع كل هذا فليسمح لي د. مزمل بالإختلاف مع وصفه، فالليلة لا تشبه البارحة فقد زالت الشمولية و الإستبداد و دان الأمر لشعبنا حراً لا يتسلط باطش على رقابه .. مارد شعبنا الذي نهض يلزمه سير طريق طويل لإنهاء كل أزمات البلاد المتراكمة التي لن تختفي بين عشية و ضحاها، و قديماً قال نيلسون مانديلا واصفاً تجربته عقب إنتهاء حكم الفصل العنصري “السر الذي إكتشفته هو أنه عند النجاح في تسلق جبل كبير سأرى جبالاً أخرى تنتظر لأقطعها. يمكنني حينها أن آخذ قسطاً من الراحة و أن أتأمل في جمال المنظر المحيط و أن أنظر للخلف لأرى أي طريق طويل قد قطعت، و لكنني لن أستطيع الراحة إلا لقليل من الوقت فمع الحرية تأتي المسؤولية و علي ألا ابطء في قطع ما تبقى من طريق”.

 

عزيزي د. مزمل .. أمام بلادنا طريق طويل لتسيره، خلفها جبال قد عبرتها و مسيرة ممتلئة بتضحيات قدمها خيرة أبناءها و بناتها للخلاص من الشمولية، لا وقت للإبطاء و لا لندب الحظ، هنالك متسع لمعالجة الأخطاء و تصحيحها و المضي قدماً دون الرجوع للوراء .. هذا هو الطريق الذي نأمل أن نسير فيه كتفاً مع شعبنا الذي سيبلغ غاياته مهما واجهه من صعاب.

Exit mobile version