مبارك اردول يكتب.. قضية (عصابات النيقرز) قضية إجتماعية أكثر من كونها أمنية…

0

 

الحديث عن قضية (عصابات النيقرز) وهم في الاصل ضحايا الحروب، قضية يجب ان تاخذ أبعاد متعددة ولا يجب أن يتم تناولها كمجرد قضية انفلات امني يجب أن يتم احتوائه بالإجراءات الأمنية والبوليسية والجنائية الروتينية، بلاغ وقبض وتحري ومحاكمة وهكذا.

دعونا نتحدث بكل صراحة وبلا غطغطة عن هذه القضية بغية المساهمة في حلها من جذورها، القضية أراها أبعد من ذلك فلو تمهلنا وراينا هؤلاء الفتية نجدهم ينتمون اثنيا الي مناطق محددة في السودان، لا يجب أن نستحي من ذلك، وهي غالبا المناطق التي ظلت تشهد حروب مثل جنوب كردفان ودارفور او النيل الازرق، ولكن أغلب هؤلاء الفتية ينتمون تحديدا الي جنوب كردفان – جبال النوبة، وهذه المعلومات التي اقولها ليس اعتباطا وانما من خلال بحث وتحريات اجريتها في وقت سابق من العام الماضي تقصيا لهذه الازمة وسعيا لحلها.

الشي الاخر الذي لاحظته يتراوح أعمار أغلبهم هؤلاء الشباب بين ال(15-25) عاما وهو عمر المدارس والتعلم والإعداد للحياة، ويسكن أسر نصفهم في أطراف الخرطوم بين الحاج يوسف ومايو ودارالسلام جبل أولياء او دار السلام سوق ليبيا، والبقية مشردين او منفصلين عن أسرهم الذين قضي على بعضهم في الصراعات المسلحة في مناطق الحرب او تم تشريدهم الي معسكرات اللجوء في الدول المجاورة.

أسر هؤلاء الفتية اغلبهم أحادية الوالدين حيث تقوم الأمهات فقط برعاية الاسرة اعتمادا على الاعمال الهامشية كعاملات في البيوت او عاملات الشاي او غيرهن ممن تعتبر من الأعمال قليلة الدخل، لذلك من الصعب أن تعول وتتكفل بمعاش كامل الاسرة خاصة اذا كانت ممتدة.

لم يكمل أغلب هؤلاء الفتية تعليمهم الأساسي ليس لانهم لايريدون التعلم وانما بسبب الفقر وضغوط الحياة وظروف الحرب الممتدة التي واجهت أسرهم اجبرتهم للتخلي عن الفصول الدراسية في وقت مبكر، ولم يستعاض عنه باي نوع من انواع التعليم لكسب مهارات تمكنهم من العيش اعتمادا على أنفسهم .

لم تتكفل اي جهة لتوفير تعليم بديل لهذه الشريحة من الأطفال ضحايا هذه الحروب والفقر ويكاد من الصعب ايجاد فرص عمل لأغلبهم في هذا العمر وبدون مهارات يمتلكونها، حيث ظلت حتى العمالة اليدوية (الورنيش والمراسلة في المطاعم وغيرها) غير متوفرة لاستيعاب هذا العدد منهم.

الإمكان التي يسكن فيها هذه الطبقة أماكن اشبه من حيث بيئتها بمناطق الحرب، حيث سلطات الدولة قاصرة من التواجد فيها بشكل دائم هناك او حتى الوصول إليها متعسرا بحيث يجعل الناشئ في تلك المناطق يستسهل الاعتداء على الغير.

هذه بعضا من التفاصيل المجملة للبيئة التي أنشئت هؤلاء الفتية وجعلتهم لايكترثون من الاعتداء على الاخرين واخذ حقوقهم نهارا جهارا، وهذه هي البيئة التي يسهل لاي جهة تسعى لبث عدم الاستقرار أن تستغل هذه الشريحة التي أعتبرها وقود جاهز ينتظر فقط من يشعله.

حديثا فقط اقتصر على الشباب دون البنات بحيث الدمار عندهن أضعاف ولكنه يظل حبيس البيوت، فنظير كل شاب مدمر ثلاث شابات اخريات.

لايمكننا أن نعالج هذه القضية بالإجراءات الأمنية والجنائية لوحدها (وإن كانت مطلوبة) وانما نحن في حاجة لمعالجة لهذه الظاهرة وغيرها من جذورها كحكومة وكمجتمع يسعى للملمة جراحه وتطييبها من آثار الحرب والنزاعات الطويلة، وتحول كل مهددتها الظاهرة والمستترة الي فرص لاغتنامها.

تغيير سلوك هؤلاء الفتية ليس عبر سلطة الدولة القانونية فقط وانما بسلطة دولة الرعاية الاجتماعية والعدالة.

ما شدني لتقصي هذه القضية هو حديث جانبي مع احد اقربائي في إحدى المناسبات عن عملية امنية تمت قبل أعوام قبض فيها على شباب وفتحت بلاغات ضدهم، ولكن لاحظ المتحري من خلال قائمة الأسماء أن أغلب هؤلاء الصبيان ينتمون لمناطق محددة نعرفها من خلال التوزيع الهوياتي لاسمائهم، لم تكتفي إدارة الشرطة بتلك الإجراءات فقط وانما صحبتها ببرنامج ليته استمر.

المؤسسات الحكومية من وزارات ومنظمات دولية ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات الاجتماعية وغيرها عليها العمل بجهد من أجل وضع برامج قصيرة وبعيدة الآجال لمعالجة هذه القضية التي انسحبت من كونها قضيتهم لتصبح قضية المجتمع باكمله.

ولا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فينا إن لم نعالجها

 

اترك رد