الخرطوم __إسفير نيوز _اليوم التالي
أنتشرت هذه الأيام ظاهرة اجتماعية خطرة مثلت تحدياً حقيقياً للمجتمع والحكومة وأقلقت جميع المراقبين إذ بدت ظاهرة التفلتات الأمنية تجتاح المدن والأرياف بعد أن عشعشت هناك وقتاً طويلاً وها هي الآن أطلت برأسها كأكبر ظاهرة في ظل التغيير الديمقراطي تمثل تحدياً حقيقياً للمجتمع وللحكومة فكيف الخروج منه.. خبراء ومحللون تحدثوا عنها لـ(اليوم التالي ) في هذه المساحة التالية:-
تقر ير: عبدالله عبدالرحيم- سيف جامع
الفريق حنفي: السيولة الأمنية سبب رئيسي
يعزو الخبير العسكري، الفريق حنفي عبدالله، التفلتات الأمنية التي تشهدها العاصمة الخرطوم بين الحين والآخر إلى مؤثرات الوضع الاقتصادي والسيولة الأمنية الكبيرة جراء دخول عدد كبير من قوات الحركات الموقعة على السلام. وأشار، في حديثه لـ”ليوم التالي”، إن ضعف هيبة الدولة و استغلال الحريات بصورة بشعة كان له دور كبير في انتشار هذه الظاهرة. وحمل الحكومة مسؤولية بعض هذه التفلتات بعد أن أطلقت الآلاف من معتادي الإجرام دون دراسات أو تحوطات أو إكسابهم مهارات لكسب العيش، وشدد على أهمية أن تتولى الأجهزة الامنية المختصة وضع ضوابط صارمة لقوات الحركات الموقعة على السلام فضلاً عن الاستفادة من قيادات هذه الحركات في إيصال هذه الضوابط. وانتقد وسائل التواصل الاجتماعي في تناولها لكثير من المواضيع وتهويلها وزرع الخوف في نفوس المواطنين واعتبر ما يحدث الآن في سوبا ليس بالحجم الذي تم تداوله بمواقع التواصل الاجتماعي.
أردول: قضية اجتماعية !
ويرى الناشط السياسي – مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية مبارك أردول ان الحديث عن قضية (عصابات النيقرز) وهم في الأصل ضحايا الحروب، قضية يجب أن تأخذ أبعاداً متعددة ولا يجب أن يتم تناولها كمجرد قضية انفلات أمني ويجب أن يتم احتواؤها بالإجراءات الأمنية والبوليسية والجنائية الروتينية، بلاغ وقبض وتحرٍّ ومحاكمة وهكذا. وكتب أردول على صفحته في فيسيوك ” دعونا نتحدث بكل صراحة وبلا (غطغطة) عن هذه القضية بغية المساهمة في حلها من جذورها، القضية أراها أبعد من ذلك فلو تمهلنا ورأينا هؤلاء الفتية نجدهم ينتمون أثنياً إلى مناطق محددة في السودان، لا يجب أن نستحي من ذلك، وهي غالباً المناطق التي ظلت تشهد حروباً مثل جنوب كردفان ودارفور أو النيل الأزرق، ولكن أغلب هؤلاء الفتية ينتمون تحديداً إلى جنوب كردفان – جبال النوبة، وهذه المعلومات التي أقولها ليس اعتباطاً وإنما من خلال بحث وتحريات أجريتها في وقت سابق من العام الماضي تقصياً لهذه الأزمة وسعيا لحلها.وأضاف ( الأمر الآخر الذي لحظته أن أعمار أغلب هؤلاء الشباب يتراوح ما بين الـ(15-25) عاماً وهو عمر المدارس والتعلم والإعداد للحياة، ويسكن أسر نصفهم في أطراف الخرطوم بين الحاج يوسف ومايو ودارالسلام جبل أولياء أو دار السلام سوق ليبيا، والبقية مشردون أو منفصلون عن أسرهم الذين قضي على بعضهم في الصراعات المسلحة في مناطق الحرب أو تم تشريدهم إلى معسكرات اللجوء في الدول المجاورة. ويشير مبارك أردول إلى أن أسر هؤلاء الفتية أغلبهم أحادية الوالدين حيث تقوم الأمهات فقط برعاية الأسرة اعتماداً على الأعمال الهامشية كعاملات في البيوت او عاملات الشاي أو غير ذلك من المهن مما يعتبر من الأعمال متدنية الدخل، لذلك من الصعب أن تعول وتتكفل بمعاش كامل الأسرة خاصة اذا كانت ممتدة.مؤكداً أن أغلب هؤلاء الفتية لم يكملوا تعليمهم الأساسي ليس لأنهم لا يريدون التعلم وإنما بسبب الفقر وضغوط الحياة وظروف الحرب الممتدة التي واجهت أسرهم أجبرتهم للتخلي عن مقاعد الدراسية في وقت مبكر.
كفيل : ما يحدث إفرازات ثورة ديسمبر
ويقول الفريق أمن عبدالرحمن كفيل لـ(اليوم التالي) تاريخياً إن كل الفترات الانتقالية في العالم فترات هشة انتهاء نظام سابق بكل ما يملك من سلطات ومقومات ونظام جديد. التحول في السودان الآن ليس كالمرات السابقة في أكتوبر وأبريل. هناك تغييرات في دارفور والمناطق الأخرى والتدخل في القوات المسلحة ومهنيتها. وربط ما يجري من تغييرات بأن البلد خرجت من أزمة الجنوب ودخلت أزمة دارفور بجانب الظروف الاقتصادية والمشكلة الاجتماعية والنزوح من الولايات إذ أن كل السودان صار في الخرطوم. وقال هناك بعد ثقافي وتغيرات كثيرة في كل الدولة السودانية لكنه قال إن الوجدان السوداني متماسك ولكن هناك بعد غير محسوس وما يحدث عبارة عن ظواهر وتقاطعات معزولة لأن الأغلبية من الشعب السوداني تستنكر ما يحدث.
وأكد كفيل بأن من تم ضبطهم في هذه الوقائع أجانب وأن التعدي على الناس وممتلكاتهم ليست ثقافة سودانيين وأن معظم الذين تم ضبطهم أجانب وأن الأمر ليس بثقافة سودانيين. وقال إن الشعب السوداني ثقافته معروفة وما يحدث عبارة عن أحداث وافدة. وقال إن الشرطة حصل لها اهتزاز معنوي كجانب سلبي لثورة ديسمبر كما أن الأجهزة الأمنية اهتزت كثيراً بعد الثورة وتريد كلها معالجات من الخبراء. وقال كفيل إن الأمل كبير جداً أن يتجاوز السودان المرحلة الانتقالية والتي وصفها بغير العادية مشيراً إلى أن ما يربط السودانيين كثير ولذلك لم يتوقع انهياره كالدول التي انهارت في الجوار.
عيسى تغيير: التفلتات الأمنية عصابات إجرامية
ويقول القيادي بالترتيبات الأمنية مسار دارفور، أحمد عيسى تغيير، لـ(اليوم التالي) إن التفلتات الأمنية وحوادث العصابات الإجرامية التي تتكرر كل يوم في العاصمة ومدن السودان وتهدد أمن المواطنين والوطن وبالتالي السؤال هو لماذا تتركون هذه العصابات الإجرامية تمرح وتعبث كما تشاء كل يوم؟ وكل أسبوع؟ بينما تتم مهاجمة الحركات المسلحة الموقعة على السلام؟ بالذخيرة الحية وكل أنواع الأسلحة كما حدث في سوبا.. وقال عيسى إن المشهد يعيد للذاكرة أحداث المهندسين وقوات القائد مني أركو مناوي في عهد النظام البائد. وتطرق عيسى بسؤال ثانٍ قال إنه للشعب السوداني وهو ؛ هل الفراغ الأمني والتفلتات والعصابات عملية مفتعلة ومقصودة والغرض منها ممارسة ضغوط على المواطن لإجباره على إسقاط الحكومة الانتقالية والمطالبة بعودة حكومة المؤتمر الوطني من خلال إعادة جهاز العمليات وإحياء الدفاع الشعبي وقانون النظام العام وإعطاء سلطات واسعة للأجهزة الأمنية لممارسة القمع والعسف كما هو الحال في عهد النظام البائد؟. وإلى أين يتجه السودان الآن؟ مبيناً بقوله( للأسف الشديد يتجه السودان نحو الانفجار الكبير وهو قاب قوسين أو أدنى لأن الحكومة الانتقالية بعيدة كل البعد عن مشروع التغيير ومعادلة السلام على أسس التغيير و إستراتيجية الحرب على الإرهاب في دارفور والسودان والمنطقة المحيطة والعالم أجمع). وقال متسائلاً( ما هو البديل لتجنب وتفادي الانفجار الكبير؟ وإذا حدث الانفجار الكبير فماذا بعده؟ ) . وأكد أنه في الحالتين أن البديل الوحيد دون منازع على الإطلاق في دارفور والسودان هو مشروع التغيير ومعادلة السلام على أسس التغيير وإستراتيجية الحرب. وأكد عيسى تغيير أن أكبر التفلتات الأمنية للعصابات الإجرامية في السودان هي مكابح السلام والتغيير في السودان أو أنظمة العنصرية والإرهاب 65 سنة من الاستقىلال وحتى الآن إذا لم تتغير المكابح والأنظمة لن يتغير حال الشارع السوداني على الاطلاق ولن يتحسن معاش الناس ولن يتحقق السلام والتغيير والآمن والاستقرار والتطور والازدها ر في السودان على الإطلاق.
د. أبوبكر: فارق التعليم و الحرب هو ما أنتج الظاهرة
ويرى دكتور أبوبكر آدم عبدالكريم المحلل السياسي إن من الأسباب هو أن معظم هؤلاء المتفلتين بعيدون عن أنواع التعليم المختلفة وتنقصهم المهارات التي تمكنهم من ممارسة حياتهم بالاعتماد على أنفسهم . وقال أبوبكر لـ(اليوم التالي) إنه لا بد من أن تكون هناك حاضنة اجتماعية توفر الجانب الاقتصادي والاجتماعي لهؤلاء وتوفر لهم سبل كسب العيش انطلاقاً من توفير حواضن التعليم الفني والتفني كتعليم بديل لهذه الشريحة من ضحايا إفرازات المجتمع من الحروب والفقر. إذ إنه من الصعب مواكبة الحياة ومصروفاتها وهم في هذه المرحلة الحتمية من العمر بدون مهارات يمتلكونها. ويقول آدم، إن معظم هذه الشريحة نتجت عن إفرازات الحروب ولذلك هم من الذين هاجروا من الريف إلى المدينة من مناطق الحرب، فيما لا تزال اهتمامات الحكومة مقتصرة على المدينة والولايات التي لم تتأثر بالحروب، لذلك لابد للدولة الاهتمام بكل قطاعات الشعب السودان لمحاربة على هذه الظاهرة والتي اعتبرها إنسانية اجتماعية وسياسية ولا تخلو منطقة من المناطق السودانية لم تتأثر بها. وقال هذه بعض من التفاصيل المجملة لما ظل يتعرض له الشعب السوداني من ويلات التغيير غير المرئية بيد أن للبيئة التي نشأ فيها هؤلاء الفتية جعلتهم لايكترثون من الاعتداء على الآخرين لتغطية عوز الفقر الذي اعتراهم بفعل السياسات. وقال( نحن في حاجة لمعالجة لهذه الظاهرة وغيرها من جذورها وأن نسعى لمعالجة الجراح وتطبيبها من آثار الحرب والنزاعات القبلية والسياسية التي جزأت السودان في وقت سابق وها هي الآن تدور لتجزيء ما بقي منه). وأكد أن الحدث الآن أصبح ظاهرة ولابد من أن تسعى الدولة والمجتمع لتغيير الظروف التي حولت هؤلاء إلى مجرمين حتى نعبر هذه المرحلة الحرجة من عمر البلاد خلال التغيير الذي حدث بثورة ديسمبر.