عبدالماجد عبد الحميد يكتب.. غندور (يريدون لظله أن يزول)

0

 

أطالع هذه الأيام كتاب ( آخر كلام) لمؤلفه الصحفي والإعلامي المصري القلق والمثير للجدل يسري فوده صاحب البرنامج الاستقصائي ذائع الصيت سري للغاية والذي كانت تبثه قناة الجزيرة قبل سنوات ..
• وآخر كلام هو برنامج تلفزيوني استقصائي كان يقدمه فوده علي قناة أون تي في المصرية أيام الرئيس محمد مرسي والتي انتهت بانقلاب السيسي .. ومن المفارقات المدهشة أن يسري فوده الذي ظل ينتقد الإسلاميين في مصر بطريقة غير منصفة وغير مهنية وأحياناً غير أخلاقية .. مع كل هذا كانت نهاية برنامج يسري غاية في الحزن والألم وهو الأمر الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب والذي أنصح كل المهتمين بالشأن السياسي والإعلامي في بلادنا بمطالعته خاصة أجيال الشباب منهم ليقفوا علي الطرق الشيطانية التي تتم بها سرقة الثورات بعد صناعتها وهوعين ماحدث لثورة المصريين التي تم اختطافها والانقلاب لاحقاً علي أول رئيس منتخب جاءت به ورميه في السجن حتى الموت !!
• من مفارقات الثورة المصرية أنها أكلت وبلا رحمة .. وبكل قسوة شبابها الذين أشعلوا وقودها وتقدموا المواكب الهادرة التي أجبرت حسني علي التنحي .. ويسري فوده من الإعلاميين الذين أكلتهم دولة الفريق عبد الفتاح السيسي الذي التقاه فوده أربع مرات عقب الثورة وجمعها كما قال رفض طريقة الإسلاميين أو من يسميهم في كتابه (بتوع ربنا) .. ومع هذا كله وقفت الدولة العميقة في عهد السيسي في وجه البرنامج التلفزيوني ليسري وأجبرته علي مغادرة شاشة تلفزيون رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس !!
• ليس غريباً أن يكون حال الثورة التي أطاحت حكم الإسلاميين في السودان هو ذاته حال الثورة التي أطاحت حكم مرسي في مصر .. إنتهي الأمر بالمغفلين في مصر إلي السجون والمعتقلات والمنافي .. أما في السودان فقد بدأ عهد القسوة علي شباب المتاريس والهاتفين بتسقط بس .. بدأ عهد القسوة عليهم بمنعهم من دخول مؤتمر الحزب الحاكم الجديد بقيادة ياسر عرمان في قاعة الصداقة .. ولن يمضي طويل وقت حتي تزدحم معتقلات وسجون حكومة قحت القادمة برفقاء الأمس من شباب المقاومة .. والكنداكات !!
• ماهي علاقة هذه المقدمة بخبر إطلاق سراح بروف غندور ثم العدول عنه بتوجيه تهمة الضلوع في محاولة إنقلابية ضد حكومة الثلاثي الخطير ( برهان .. حميدتي .. حمدوك) ؟!
• إن أردت معرفة العلاقة بين هذا وذاك فماعليك إلا أن تنظر في الشروط التي أملتها أيدي مرتعشة وضعيفة وخايبة رجلها ثم قمتها بيدها اليسري ليوقع عليها بروف غندور وهو في طريق خروجه من سجنه الذي قضي فيه شهوراً بلا ذنب .. ولا(جنيّة) ..
• بروف غندور إنسان سوداني بكل ما تحمل الكلمة من معني .. هو ابن الحي الذي يشيّع الجنازة .. ويعصر الفُراش) .. يشيل الفاتحة .. يجبر خاطر اليتيم .. يواسي المريض .. يسأل عن الجار .. لا تمنعه شواغل السياسة وصرامة الأكاديمي المتخصص من المواظبة علي تربيزة الكتشينة وعشرة ( الضُمنة) ومتابعة الكورة من شاشة تلفزيون نادي الحي المتهالكة !!
• بروف غندور رجل متصالح مع ذاته .. ليس في حياته أسرار ولا غموض .. رجل تجده في كل مكان وتدهشك قدرته العجيبة علي (سُواقة) أكثر من برنامج .. وقضية .. وتخصص في وقت واحد .. وتتعجب حد الدهشة والذهول : كيف يستطيع بروف غندور وسط كل هذه ( الشواغل) أن يرد بمودة علي هاتف صحفي متدرب أو صديق في قروب واتساب أو أن يهاتف كبار الصحفيين والإعلاميين وصناع الرأي موافقاً أو معاتباً لما تسطره أقلامهم من أراء وتحقيقات وحوارات .. كثيراً ما يعاجلك بقوله : ( أنا قريت موضوعك كلمة .. كلمة ) .. ثم ينقل لك وبهدؤ نقاط اتفاقه أو خلافه معك !!
• إنه غندور .. السياسي الملتزم .. وابن البلد الأصيل .. ولهذا ليس غريباً أن يرفض التوقيع علي الشروط التي تحدد له من يقابل أو يلتقي من الناس وأن يكف عن الحديث إلي الصحفيين وأن تتقيد حركته في حدود لا تنقله إلي أفراح الناس وأتراحهم .. وقبلها أن يترك الشأن السياسي حتى إشعارٍ جديد !!
• إنها شروط الذين لايعرفون أن بروفيسير غندور كثيراً مايردد مقولة مالكوم إكس : ( لا أحد يمكن أن يمنحك الحرية .. لا أحد يمكن أن يتكرم عليك بالعدل والمساواة . لو كنت رجلاً ستنتزعها )..
• لم أهتم منذ فترة .. ولن أهتم لفترات لاحقة بالإجابة علي السؤال الذي يشغل بال أهل وأحباب وعشيرة بروف غندور : متي سيخرج غندور من معتقله ؟.. السؤال الذي يشغلني منذ مدة ستطول : من الذي يقف وراء اعتقال بروف غندور ؟!..
• الإجابة كانت حاضرة في ورقة الشروط التي كتبتها من خلف ستار الأيدي المرتجفة التي اتخذت قرار اعتقال الرجل .. وهي ذاتها الجهات والشخصيات التي ترتب مع آخرين لإعادة رسم خارطة المشهد السوداني بذات الطريقة التي دفعت يسري فوده لتأليف كتابه وإخراج الهواء الساخن والخطير في آخر كلامه ..
• إن الذين يعتقلون بروف غندور يحتاجون إلي كثير من العقل .. وقليلٍ من العدل في التعامل مع قضية سياسي أنيق في كل شيئ .. وصريح حد الصدمة وواضح الرؤية مثل الشمس .. ومع هذا لايكف عن ترديد مقولة جيرارد أونيل ويهديها لزملائه غير الأوفياء أمثال حمدوك وياسر عرمان وبقية (عويش) الثورة المصنوعة .. يقول أونيل : ( هاكم نصيحتي .. أولاً ، صونوا حرية الأفكار بأي ثمن ، واحذروا؛ فإن الديكتاتور يستغل دائماً ميل الفطرة إلي لوم الآخرين وإلي الإمعان في التبسيط . لا تعتبروا انفسكم حماة الحرية إلا إذا كنتم تحترمون وتصونون حقوق الآخرين الذين يختلفون معكم ) !!

اترك رد