د. حاتم عبد الفاضل يكتب.. من يهتم لتاريخنا الطبي والصحي في السودان
من يهتم لتاريخنا الطبي والصحي في السودان؟
الباشا الأبيض اللواء صمويل بيكر هو رحالة وضابط إنجليزي عاش في الفترة من 1821 -1893 ويعود له الفضل في اكتشاف منابع النيل وتأسيس منطقة خط الاستواء في جنوب السودان ، وهو مكتشف بحيرة ألبرت نيانزا وشلالات مرشيسون في يوغندا.
أما زوجته فهي السيدة فلورنس بيكر والتي عاشت طوال الفترة من 1841 -1916 ، واشتهرت باسم الليدي بيكر والتي رافقت زوجها في رحلة صعبة وطويلة مليئة بالمعاناة والمرض عابرة السودان إلى جنوبه ، ولقد ساهم زوجها في بسط نفوذ خديوي مصر في جنوب السودان مبكراً.
كانت الليدي بيكر تنقل المرضى إلى مستشفى ملكال عبر باخرة عائمة في أعالي النيل وكانت الباخرة هي مصدر الإنقاذ الصحي للمرضى على طول النهر في العام 1926.
لقد بحثت بين الأوراق العلمية ولا أزال عن معلومات إحصائية عن حجم ماقامت به تلك المرأة الليدي بيكر وزوجها في تلك المناطق المقفولة ثم دلفت باحثاً بين طيات تقارير البعثات الطبية العلاجية التبشيرية في جنوب السودان، وقرأت جانباً من تقارير المفتش الطبي السوداني ذائع الصيت جون بلوس ( JOHN F.E.BLOSS) والذي عمل مفتشاً بالمصلحة الطبية في السودان منذ العام 1933 وتنقل بين بورتسودان والخرطوم وودمدني وكردفان وواو في بحر الغزال حتى عام 1938 ، ثم عدت إلى أرشيف السودان في جامعة دارم DURHAM الغني أبحث فيه وأقلبه يمنة ويسرة.
بعد طول بحث لم أعثر على ماأريده من إحصاءات، ولكن كنت محظوظاً عندما شاهدت السفينة المستشفى ( الليدي بيكر) في فيلم فيديو نادر وقصير أتمنى أن يعرض في فيلم وثائقي أوسع قريباً إن شاء الله للطلاب والباحثين والمهتمين لأغراض تعليمية وليست تجارية.
لقد أسميت السفينة باسمها تكريماً لدورها بعد وفاتها (LADY BAKER HOSPITAL STEAMER) والتي تتكون من طابقين ، وكيف أنها تحوي العيادات وغرف العمليات الجراحية وعنابر المرضى ، وشاهدت كيف أن التمريض ومنذ العام 1926 كان يهتم بسوء التغذية ووزن الرضع وعلاج الأسنان وخلع الأضراس وعمليات العيون وتحديد النظارات الطبية للمرضى ومعالجة الجروح والقروح والسرطان ومرض النوم والبلهارسيا وكثير من العمليات الجراحية.
كان ذلك قبل مئة عام في السودان ..
تصوروا لو أن تلك السفينة كانت موجودة الآن (بعد مئة عام ) في متحفنا الطبي كيف ستكون قيمتها؟
وإلى جوارها الباخرة كيولكس أول باخرة للبحث العلمي في أفريقيا؟
وعربة القطار التي تتنقل بين مدن السودان وهي تنقل العلماء لإجراء البحوث العلمية؟
تصوروا لو أنناعرضنا كتب مكتبة هنري ويلكم الأمريكية الفرنسية والتي دخلت قبل مئة عام للسودان ، ولايهتم بها أحد حالياً ، وتموت تدريجياً بالاختناق من الأتربة والغبار في معهد الصحة العامة؟
ياليتنا أخرجنا وزارة الصحة الاتحادية من موقعها الأثري الحالي (مستشفى النهر) سابقاً وحولناه لمتحف طبي صحي وكذلك أخرجنا قباب كلية الطب ومعمل استاك من أسر العمل الوظيفي وحولناهما إلى تراث طبي تحرسه اليونسكو ، لأننا إن فعلنا ذلك أنقذنا ثروة لاتقدر بثمن وحفظناها للأجيال.
أولا يستحق هذا التاريخ الطبي الصحي أن يحفظ ويكتب؟
أو أن يعرض في أفلام وثائقية؟
ألا يستحق أن تتبناه جهة ما أو مؤسسة ذات اختصاص؟