الطاهر ساتي يكتب. . نيابتان و قضية ..!
:: قبل الثورة، كانت الصحافة السودانية هي المجرم الوحيد الذي تحاكمه أربع جهات، بأربع عقوبات، في قضية واحدة.. نعم، عندما تجري الصحافة حواراً أو تحقيقاً يزعجهم، أو عندما تنشر خبراً أو رأياً لايرضيهم، تغضب لجنة الشكاوى بالمجلس وتعاقبها بالإيقاف يوماً أو ثلاثة، ثم يغضب جهاز الأمن ويعاقبها بالإيقاف لأجل غير مسمى أو بالمصادرة بعد الطبع، ثم تحال المادة الصحفية المغضوب عليها إلى نيابة الصحافة فتعاقبها بحظر النشر، وبعد كل هذه العقوبات تحال إلى المحكمة فتعاقبها بالغرامة ..!!
:: هكذا كان حال الصحافة.. تحاكمها أربع سلطات، بأربع عقوبات، في قضية واحدة، وهذا ما لم يحدث لكارلوس، أشهر إرهابي على وجه الأرض .. ولكن بعد الثورة، أصبح الوضع أفضل نسبياً، و ليس و ليس كُلياً؛ بحيث لم يعد هناك إيقاف لأجل غير مسمىً بأمر جهاز الأمن أو المصادرة بعد الطبع..ولكن ظهرت نيابة جرائم المعلوماتية و محكمتها .. وهذا يعني أن هناك أربع جهات هي التي تُعاقب الصحافة حالياً، ليس من بينها جهاز الأمن ..!!
:: ما هي الجهات الأربع ؟.. أولاً، لم يتم تعديل قانون الصحافة بعد، وهو قانون 2009، أي لايزال لمجلس الصحافة – بنص القانون – سلطة العقاب الإداري، بإنذار الصحيفة و إيقافها ثلاثة أيام .. وثانياً، لاتزال لنيابة الصحافة سلطة الاستدعاء وإيقاف النشر لحين اكتمال التحري.. وثالثاً، لنيابة جرائم المعلوماتية أيضاً سُلطة الاستدعاء و إيقاف النشر لحين اكتمال التحري.. ثم هناك الحُكم القضائي .. وهذا يعني احتمال لطم الصحيفة بأربع عقوبات في قضية واحدة ..!!
:: وعلى سبيل المثال، يوم الأمس، بينما كانت نيابة جرائم المعلوماتية تتحرى معي و الأخ د. مزمل أبوالقاسم، في قضية فساد صفقة السماد؛ الشاكي فيها مفوض الجهاز الاستثماري، وقبل اكتمال التحري والخروج – بالضمان – من نياية جرائم المعلوماتية، تلقيت استدعاءً آخر من نيابة الصحافة في ذات القضية؛ و الشاكي فيها شركة زبيدة .. نيابتان، في يوم واحد، للتحري في قضية نشر واحدة .. و لو ذهب هذا الشاكي و ذاك الى مجلس الصحافة ، فللمجلس أيضاً سًلطة الاستدعاء و العقاب..!!
:: وعليه؛ لسنا فوق القانون، و نُخطئ مثل كل البشر، و حرية الصحافة لا تعني الفوضي، والإساءة للآخرين ليس من حرية الصحافة، ولا اتهامهم بما ليس فيهم، ولا نعترض على العقاب – حين نُخطئ في حق الآخرين – مهما كان قاسياً، بل ندعم ثقافة اللجوء الى المحاكم بحثاً عن الحقوق؛ لأنها ثقافة تعكس وعي الشعب.. ولكن كُل الرجاء هو التخلص من ( بلاوي النظام المخلوع)، وذلك بإصلاح القوانين، بحيث لانٌعاقب أكثر من مرة في قضية واحدة.. وليس عدلاً أن تستدعينا ثلاث سُلطات في قضية واحدة، ثم تعاقبنا بثلاث عقوبات في ذات القضية، هذا ليس عدلاً ..!!
:: وكل الشكر للأخ الأستاذ حسام الدين حيدر، الأمين العام العام لمجلس الصحافة، و قد كان من أوائل الزائرين للصحيفة يوم أمس، وكان منزعجاً لاستدعاء نيابة جرائم المعلوماتية، ونص تصريحاته في (صفحة الأخبار)، وكان واضحاً في رفضه لتقاطع السلطات وتعددها، موضحاً بأن نيابة الصحافة فقط – وعبر مجلس الصحافة- هي السُلطة المعنية بقضايا النشر الصحفي، حتى ولو كان النشر إلكترونياً، طالما للصحفي سجل صحفي.. وعليه، رب ضارة نافعة؛ شكراً حسام الدين .. !!