فضل الله رابح يكتب.. الإسلاميون وألغام شروط عرمان الحائر .. (1) 

0

 

في حوار بتلفزيون السودان معمول بعناية عرض ياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء السياسي علي ما أسماهم الإسلاميين المؤمنين بالديمقراطية خرائط تعامل جديدة بشرط تخليهم عن حزب المؤتمر الوطني حينها ليس لديهم مشكلة معهم ويمكن التعامل معهم .. وعلي الرغم من أنه ليس في الأفق وجود رؤية جمعية لإحداث تفاهمات مع مثل هذا التيار من تيار ات الحكومة الانتقالية حتي تتضح ملامح إدارة المطلوب بشكل دقيق وتجيب علي العديد من الأسئلة والجدل الداخلي التي بدأت تتسع حول هذه النقطة تحديدا ومعروفة من أين يستمد ياسر عرمان جرأته للتحدث في شؤون الإسلاميين دون الرد المباشر عليه بما يشير إلي إلتباسات وشكوك عن وجود دائرة صغيرة داخل الإسلاميين ترسل وريقات ورسائل إمكانية التفاهمات تخوفا من خطاب الحظر والمنع المصنوع بقوة الثورة والإنقلاب العسكري لكن ما يلفت النظر ويثير الأسف أن تصريحات عرمان الملغومة تجد قبولا لدي البعض من الإسلاميين سيما الذين إنطلت عليهم فرية عدم صلاحية المؤتمر الوطني لهذه المرحلة ويجب تحويله إلي مكب نفايات سياسية دون النظر إلي أسباب إنهيار تجارب الإسلاميين في بعض الدول العربية بعد ما رقص بعضهم وتماهي مع معزوفات حلم العلمانيين الخداع فخيالهم المثالي قد صور لهم أن هذه المنطقة يمكن أن يلعبوا فيها وهذا المنهج يمكن أن يتعايشوا معه رغم أنهم يتعرضون لتجريف سياسي يومي وفصل تعسفي من المؤسسات بصورة مستمرة كتوابع لمنهج الإبعاد الكلي التدريجي الذي تدور به خيالات ياسر عرمان وأمثاله من ذيول اليسار الحائر الذين يسيطرون علي الحكومة الإنتقالية ويحددون بوصلة عقلها السياسي .. لم تخطئ عين المراقبين هذه الأيام وهي تتابع تحركات المجموعة اليسارية بقيادة ياسر عرمان المحمومة بخصوص التعامل مع الإسلاميين وضرورة خداعهم بخطاب سياسي مرتبك ومتغير وهي تصف هذا السلوك في أقرب تفسيراته الي الحقيقة أنه حراك لم يخرج من تشابكات سيناريوهات المعادلات السياسية التي أخرجت الإسلاميين من دائرة الفعل والتأثير السياسي في تونس والمغرب ومصر وكان الاسلاميين في تلك الدول قد جذبوا إليهم الجمهور والشعوب بخطاب مقبول سياسيا وإجتماعيا ولكن سرعان ما تمت خدعتهم وقيادتهم بخطاب أوصلهم إلي حالة إنسداد خطيرة وإحطاتهم بأزمات تجاوزت شكل الأزمات الروتينية التي كانت تعانيها تلك الشعوب .. ولذلك يتوجب علي الإسلاميين في السودان قراءة وتحليل طريقة مجموعة الغنوشي في تونس وإسلاميي المغرب حتي يستشعروا حجم مخاطر خطاب ياسر عرمان التي تحيط بهم وتهدد بقاءهم بقوة القوي الناعمة ( الإعلام ـ الأدب والثقافة ـ التعليم والشباب والرياضة) بعد ما إسقطوا نظامهم الحاكم في البدء بقوة الغضب الشعبي وتوالي الأزمات عليهم بسرعة غير مسبوقة .. إن من حسن حظي أنني حضرت أول مؤتمر عام علني لحركة النهضة في تونس بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي وهو المؤتمر التاسع بعد ما عقدت ثمانية مؤتمرات سرية كان ذلك عام 2012 وكنت وقتها ذهبت الي تونس لحضور مؤتمر اتحاد الصحفيين العرب وبفضول الصحفي حرصت علي حضور مؤتمر حركة النهضة الذي إنعقد بأستاد رادس الذي يسع عدد(120) ألف شخص وكان مؤتمر مهيبا إستخدم راشد الغنوشي كل مهاراته لتقديم مشروع سياسي مقنع لكل التوانسة ومعلوم أن الغنوشي قد إنضم للتيار الاسلامي بعد تجربة مع القوميين العرب كانت خلال إقامته في مصر، أُعجب الغنوشي بالتوجه الناصري وتشبع به وكان قوميا ناصريا، يرى ضرورة توحيد الفكر الناصري مع التيارات القومية الأخرى مثل حزب البعث وحمل معه هذا الإعجاب إلى سوريا لكن لم يستمر معه طويلا حيث نأى الغنوشي بنفسه عن الانتماء لأي توجه سياسي حتى عودته إلى تونس في أواخر ستينيات القرن العشرين وكان بورقيبة يعمل آنذاك على دعم التوجه الإسلامي لمواجهة المد اليساري والماركسي وفي عام 1970، انضم الغنوشي إلى جمعية المحافظة على القرآن، بجانب عبدالفتاح مورو وعدد من الشخصيات التي اصبحت رموزا سياسية في حركة النهضة لاحقا وعملت هذه المجموعة على تقديم دروس وندوات في المدارس والجامعات والمساجد .. كان واضحا في ذلك المؤتمر أن الغنوشي بعد تجربة معارضة طويلة قد إستدعي تجربته مع القوميين العرب وإستخدمها في جمع أهل تونس في مشروع وطني جامع لم يستثن تيار او فكر وأذكر بعد الجلسة الإفتتاحية أمسك الغنوشي بالمايك وطلب مقابلة الوفد السوداني برئاسة الراحل شيخ الزبير أحمد الحسن بصالون الضيافة فدخلت الصالون مع الوفد وكان أول سؤال مباشر من الغنوشي للوفد : ماذا رأيتم في مؤتمرنا هذا .. ? بعد صمت قصير رد شيخ الزبير : لقد رأينا تونس الدولة ..? في إشارة إلي أننا لم نر حركة النهضة بخصوصيتها الاسلامية المحافظة .. كان رد الغنوشي : نعم قصدنا أن تروا تونس وذكر أن التحول جاء نتيجة قراءة لمبررات ضغوط الغرب علي للحركات الاسلامية ومراعاة لخصوصية تونس ولذلك قال انه كان محتارا بعد سقوط نظام بن علي كيف يدخلون علي مجتمع تونس وبعد مناقشة عاصفة مع قواعدهم والإستفادة من ورقة سلمها له الدكتور ـ حسن الترابي قبل اكثر من عشرين عاما تتعلق بالحريات العامة وكيفية التعامل مع مجتمع مثل مجتمع تونس بعد كل ذلك توصل لهذا المشروع الذي خلاله وصلوا لتلك الاغلبية الحاكمة التي مكنتهم من الحصول علي اغلبية مقاعد البرلمان ورئاسته ورئاسة حكومات المحليات مشيرا بأن ما يرونه من تدافع وإنحياز شعبي وسياسي غير مسبوق .. مع ذلك تفاجأ الجميع بإنقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد علي النهضة رغم أن بعض المحللين يرون ان أيامه محدودة ولن يجد دعم وغطاء خارجي غير أن مؤشر ضعف المؤازرة الشعبية للنهضة بعد الإنقلاب وإنسحاب الغنوشي ومجموعته بتلك الطريقة المهينة رغم أنه حقن الدماء الا أنه كشف عن خدعة كبيرة تعرض لها الإسلاميين عندما تم الترويج للمشروع الجديد الذي تبناه الغنوشي لإرضاء تونس العلمانية تحت سقف الحريات وتبديل الخط والمشروع القديم الذي حقق لهم الإنحياز الشعبي الواسع واليوم شواهد الخديعة للاسلاميين في تونس باتت أوضح من الشمس وأن العناصر التي صممت إستراتيجة خطاب الكراهية لحرمان وصول ما يسمونه الاسلام السياسي للسلطة قد نجحت في الإلتفاف علي الإخوان ومتوقع الجهات الخارجية التي تدعم إستراتيجية العداء للاسلام والاسلاميين علي رأسها مصر والإمارات ستقوم بدعم التحول والانقلاب في تونس سياسيا وماليا حتي ينجح رغم معارضة بعض دول الغرب شكليا له وكذلك معارضة تركيا والجزائر لكنه سيمضي وأن الغنوشي ومجموعته ستلاحقهم الإتهامات والبلاغات حتي يشوش لهم وشل قدرتهم علي إعادة تنظيمهم والعودة مرة آخري إلي دائرة الفعل ولو عادوا سيكون بنسبة ضعيفة جدا لا تتعدي التمثيل الشكلي وتلوين المشهد ليس إلا ..

نواصل إنشاء الله

اترك رد