* كتبنا في هذه المساحة كثيراً ﻋﻦ ﻗﻀﺎﻳﺎ (ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻌﺎﻡ)، وذكرنا أن الحق الخاص ﻣﺤﺮﻭسٌ في بلادنا ﺑﺄﻫله، ﺍﻟﺬﻳﻦ يلاحقونه ﻓﻲ القضاء، ﻭﺃﻛﺪﻧﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ بعض ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻌﺎﻡ.
* الذي تُسرق منه مِعزة أو نعجة يشكو السارق إلى الشرطة، ويتابع قضيته في النيابة، ويوصلها إلى القضاء، ويستأنف الحكم الصادر فيها حتى المحكمة العليا، إذا أحس أنه غير مُنصف له.
* أما من يسطون على المال العام بالمناقصات المضروبة، والعطاءات الفاسدة، وعقود الشراء المباشر، وينهبون أموال البنوك بالمرابحات الصورية فلا يسألهم أحد، ولا تلاحقهم الجهات المنوطة بحراسة الحق العام.
* نامت نواطير السودان عن حراسة المال العام، فشعبت منه الثعالب حتى فنيت العناقيد وأفلست خزائن البلاد.
* ظلت الصحافة الحرة تصوب أضواءها الكاشفة نحو مواقع العفن، ومواضع التجاوزات في العهد البائد، لذلك اجتهدوا لتكميمها، باشهار سيف (حظر النشر) في وجهها، بتطويعٍ مُخلٍ لمادة بعينها في قانون الصحافة.
* تنص المادة (26) من قانون الصحافة، (بعنوان واجبات الصحافي) في الفقرة (هـ) على ما يلي: (أن لا يعلق على التحريات أو التحقيقات، أو المحاكمات إلا بعد الفصل فيها بصفةٍ نهائية).
* المنع متعلق (بالتعليق)، والتعليق يتصل بالرأي، وليس الأخبار ولا التحقيقات وغيرها من القوالب الصحافية، كما أن سلطة حظر النشر معقودة للمحاكم وحدها، إذ لا سلطة مباشرة للنيابة على الصحافة والصحافيين بأي قانون.
* أسوأ من ذلك أن بعض من شغلوا منصب وزير العدل أساءوا استخدام مادة أباحت لهم سحب القضايا من النيابة، إذا حوت ما يضر الأمن القومي، ومن ذلك الباب الضيق هرب الكثير من لصوص الحق العام.
* فجرت الصحافة المئات من قضايا الفساد خلال العهد البائد، وورد أضعافها في تقارير المراجع العام، لكنها ماتت في مهدها، إما تواطؤاً، أو بمادة التحلل المخصصة لمساعدة كبار اللصوص على الإفلات من العقاب.
* لذلك نطالب مولانا مبارك محمود (النائب العام المكلف) أن لا يشغل نفسه بحظر النشر، بقدر ما يهتم بحظر السرقة، ومنع النهب، ووقف التعدي على مال الشعب، وإحالة كبار اللصوص إلى المحاكم.
* تعددت محاولات تكميم أفواه الصحافيين في العهد البائد، ابتداءً بجهاز الأمن، وتم استخدام بعض أجهزة الدولة (مثل الضرائب) لتركيع الصحف وتخويفها بتقديرات جزافية مليارية للضرائب، ولم تفلح في إرهابها، فواصلت التنقيب في ملفات الفساد، حتى بلغ عددها أكثر من خمسمائة قضية في عهد الإنقاذ.
* لم نتوقع في أسوأ كوابيسنا أن تتواصل مساعي إرهاب الصحافيين بتهديدهم بالسجن، ومحاولة تركيعهم بالتنقيب في تاريخهم، ونسب اتهامات مفبركة لهم في عهد الثورة، مثلما حدث بالأمس للزميلين عادل الباز والطاهر ساتي، باستئجار دجاج إلكتروني للطعن في ذمتيهما ودمغهما بالفساد.
* نعلم هوية من يقفون خلف تلك الأفعال الصبيانية الرخيصة، المجردة من مكارم الأخلاق، وهي تشي بالجُبن والخسَّة، وتدل على نفوسٍ فاسدةٍ مهترئةٍ، أرعبتها المصابيح التي وجهتها الأقلام الحرة النزيهة إلى مكامن العفن الجديد.
* كان غريباً أن تبدأ التحقيقات بملاحقة الصحافيين الذين فضحوا الفساد، وكشفوا تفاصيله، بدلاً من مطاردة المتهمين، والتحقيق في المعلومات والمستندات الخطيرة التي نشرتها الصحافة.
* بعد ذلك تم توظيف بعض مؤسسات الإعلام الرسمية لاستضافة بعض المتورطين في قضايا الفساد الجديد، كي ينفوا فسادهم، ويدافعوا عن صفقاتهم المضروبة، وعندما فشلت محاولاتهم اتجهوا إلى القضاء بأيادٍ ملوثةٍ، قبل أن يشرعوا في تهديد الصحافيين بالسجن، وملاحقتهم بأسراب الدجاج الإلكتروني المرتشي.
* من يرغبون في التنقيب خلفنا عليهم أن يوفروا وقتهم وجهدهم، ويتجهوا من فورهم إلى نيابة مكافحة الثراء والمشبوه، وسيجدون عندها بياناً بكل ممتلكاتنا وأموالنا ومنقولاتنا، قدمناه لها بمحض إرادتنا كي نقفل الباب أمام المشككين والمزايدين.
* نحترم قرار النائب العام برغم عدم قناعتنا به، ونعد قراءنا بأن نوالي ملاحقة الفاسدين بمنتهى الشراسة.
* دخلنا أوكار الثعالب وأعشاش الدبابير بأقدامٍ راسخةٍ غير هيَّابة.. زادنا أقلام قويةً ومشهرةً مثل سيوف الهند في وجوه الفاسدين.. لن ترهبنا سطوتهم، ولن تثنينا سلطتهم، لأنهم أضعف وأجبن من أن يصمدوا أمام صحافةٍ حُرَّة.. لا تعرف الخوف، ولا تقبل التركيع.