غدا يكمل المهندس ابراهيم غبوش مائة يوم من الحبس بدون محاكمة يستطيع من خلالها ان يدافع عن موقفه وتستطيع الدولة ان تبدي وجها محترما مغايرا للوجه الكالح المعادي للقوانين والعدالة الذي اظهرته الانقاذ طيلة ثلاثين عاما .
كان جهاز الأمن والمخابرات يلقي القبض علينا وعلى معظم الموجودين في السلطة الان ويرمي بنا في السجون ومعتقلات الامن وثلاجاتها الباردة دون محاكمة ودون اي احترام لحقوقنا كمعتقلين ، يتم تجديد حبسنا كل اسبوعين بدون اي حيثيات مفهومة ونترك في السجون المظلمة لا ننتظر حكم محكمة ولا نعرف حتى الجرم الذي قبضنا به غير اننا في خلاف سياسي مع نظام الانقاذ البائد !!
كانت المشكلة الأساسية ليست هي السجن نفسه وانما الاحتمالات المفتوحة والفترة الغير محددة والتي تنتهي في الغالب بسبب عفو عام بدون اي تعويض عن فترة السجن الماضية ، فقط يأتي فرد امن في صباح باكر او ليل بهيم وبلغة معدنية تسمع الجملة المعروفة ” شيل كيسك ” يتم شحنك كاي كيس بصل في حافلة الامن المظللة ويلقى بك في اي شارع او سوق او ميدان لتعود الى المنزل .
المرة الاخيرة كان خروج الجميع من كل سجون الانقاذ بتوقيع من الشعب السوداني العظيم الذي قال كفى ، ولذلك كان للخروج طعم مختلف اذ لم يكن عفو الحاكم وانما سلطة الشعب الثائر .
ظننا وقتها ان رفاق الامس المسجونين قد جربوا الظلم ، وهم اليوم ابناء التغيير الحاكمين ، استبشرنا بدولة العدالة والحرية والمواطنة وبسودان القانون .
وقصة ابراهيم ليست معزولة عن قصص مشابهة قد يحكيها اشخاص اخرون ولكن ما اعلمه انا ان ابراهيم مهندس بث يعمل لصالح قناة طيبة قام بتسليم عربة البث الى ادارة القناة بعد صدور قرار لجنة ازالة التمكين بمصادرة شركة الاندلس التي تتبع لها القناة وحينما قام ابراهيم بذلك تسلم خلو طرف يفيد انه سلم العربة لادارة القناة ..
واذا سالتني ما الموقف اليوم فانني ساقول ان ابراهيم محبوس في حراسة المقرن منذ ٢٤ يونيو حيث تم التحقيق معه لمرة واحدة سئل فيها اين عربة البث واخبر السائلين انه قام بتسليمها وابرز لهم خلو طرف من ادارته ومنذ ذلك الوقت هو موجود في السجن في انتظار تحريات اخرى او احالته لمحكمة وقاضي ومرافعات كما يحدث في اي دولة محترمة !!
انا اكتب هذا المقال واخاطب عبره الرأي العام وانا لا اعرف ابراهيم ولم اقابله ولا مرة في حياتي ولكني عجبت من هذا الشبه المريع لدولة الانتقالية بدولة الانقاذ الظالمة ، ولا اطالب باطلاق سراحه كما طالب بذلك اصدقائه واهله ، انا اطالب بتقديمه لمحاكمة عادلة حتى يكون حبسه بحكم قضائي يفرض هيبة الدولة ويثبت الجرم على اي متجاوز للقانون او تكون البراءة ادانة لدورة جديدة من دورات التشفي والانتقام والتلاعب بالعدل والقانون .
ان هذا الفجر الذي نود ان نبلغه ببلادنا ليس نافذة يطل من خلالها كل من اتت به الاقدار الى سدة الحكم دون غيره من المواطنين ، حلمنا طيلة الحكم الدكتاتوري السابق بدولة المواطنة وسيادة حكم القانون واحترام العدالة وهي اي شئ غير ان تلقي بشخص في السجن لمدة مائة يوم دون ان تتحرك قضيته من النيابات المختصة لساحة القضاء !!
ان الصمت على ذلك اكبر دليل على خفة الشعارات ، وزيف الهتافات ، على ضمير الدولة الوليدة ان يصحو اليوم قبل الغد وان يتوقف الرفاق فورا من التهام صنم العجوة لبناء صرح الدولة المدنية وتشييد دولة المواطنة المنتظرة والا انطبق علينا قول الساخر من عصفورة دخلت بالباب وخرجت بالشباك قائلا لها
” يعني هسة استفدت شنو؟!”