رؤى
واصلة عباس محمد نور
مميزون نحن.. تعرفنا الدنا بسمرتنا، بإرثنا وبلغتنا وقد أمعن شادينا في وصفنا ( يابلدي ياحبوب يا ابوجلابية وتوب وسروال ومركوب وجبة وسديري وسيف وسكين).
عندما نتوقف في مداخل المدن الأخري ومعابرها تلوح ملامحنا من علي البعد ترفرف كأنها تحدث عنا، تاريخنا بمثابة قلادة تزين جيدنا (فسمرتنا وسوادنا من لهيب نار الشهامة)، ومن لم يعرفنا (فليسأل الخرطوم بتحكي لما غردون احتمي بها) وأسالوا شيكان وشجرة البروجي في تخوم كازقيل تخبرك كيف جعلت رؤوسهم تدور كالمروحة بحثًا عن مخبأ جيش التحرير السوداني بقيادة المهدي الإمام، ستخبرك المواقف من هم أبناء جنوب الوادي في أرض السمر وأي منقلب ينقلبون وهم يصنعون وطناً في كل بقاع الأرض، وطن ملئه التكاتف والتعاضد وجذوره الخُلق النبيل والأصالة وكرم اليد السخية وهم في سعيهم مقيلون للعثرات وساعون في الخيرات ومجتمعون في الملمات مكفكفون للدمعات ومطلقون للمسرات.
كان وطني علامة فارقة في خارطة العالم يمنحون كل وافد إلى أرض السمر لوحة ملئها (حبابك عشرة بلا كشرة وجيدن جيتو).
وترك السُمر تاريخًا ناصعًا في الأمانة وكانوا مثالًا لكل العالمين حتى أصبحوا مؤتمنين على العرض والمال في المهجر.
أما اليوم فأصبحت الصورة ممتزجة بضبابية تحيل دون الرؤية الجلية، حيث عبثت الألوان الرديئة بجمال اللوحة حتي تغيرت وفقدت متانتها، ما الذي يحدث الآن في مجتمعنا السوداني؟ من الذي يتحكم في دفة القيادة التي جعلت سفينتنا تتهادى في بحر القيم تتقاذفها صخور الانتقام والتشفي وتدفعها رياح هوجاء تسعى إلى تحطيمها؟ ما الذي جعل الأعراض مباحة في سوق النخاسة والأقسام الشرطية تمتلئ محاضرها بالعديد من البلاغات التي تؤكد خطورة مايحدث الآن؟ ما الذي جعل الشوارع الجانبية وكرًا للجريمة والموت وهي يوما ما كانت ملجأ للخائفين والتائهين؟ ماذا يحدث في أرض النيلين وشخصية (يازول) تُرمى عليها سهام الأنانية والدمار والانتقام؟ ماذا دهانا ونحن نقذف في بحر كل تاريخنا الجميل الذي شيده من سبقونا وكل جيل يسلم تلك الراية إلى الجيل الذي بعده ولكن جاء جيل وعهد ألقى بكل تلك المعاني في خضم بحر لجي سحيق.
الآن ثمة اغتيال ممنهج ل ( يازول) والقاتل نحن جميعا عندما ألقينا بثوب سترنا وأنتهكنا مقدساتنا باستخدامنا لمصطلحات لاتشبهنا ولاتزيدنا إلا تعريًا وذلك باسم الحرية.
رؤى أخيرة:
أبكي وطني العزيز..
فقد أصبح يعاني والجاني أبناؤه