انطفأ اليوم قنديل من العطاء والمعرفة والمثابرة والدأب والعمل الصالح ، و غاب نجم من نجوم الصحافة والمدافعين عنها وعن حرية الكلمة وحقوق الصحفيين ، ليس في بلادنا وحدها انما في الفضاء العالمي والافريقي والعربي فقد كان الدكتور محي الدين تيتاوي عضواً في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي ، ورئيسا لاتحاد صحفي شرق افريقيا لدورتين وعضو اللجنة التسيرية للفيدرالية الافريقية للصحفيين وعضو الامانة العامة والامين المساعد لاتحاد الصحفيين العرب … كان عطاءه كنقابي قوي الشكيمة وبخبرته المحيطة قبساً إستضاء به الاتحاد الدولي و الاتحادات الصحفية الافريقية والعربية ، فاض كالنهر بتجاربه وخبراته نهلوا منه جميعا ، تحلقوا حوله أينما حل ، و ظل الجميع في مداره وهو كوكب باذخ الضوء في الاجتماعات والمؤتمرات الدولية والاقليمية للصحفيين ..
والدكتور تيتاوي ، سار في درب الصحافة كمهنة منذ تخرجه في جامعة امدرمان الاسلامية في اول دفعاتها في كلية الاعلام ، عمل بالصحافة لاكثر من خمسين عاما ، صحفياً شهيرا و نقابياً كبيرا ، واستاذاً وعالماً نحريرا ، درس اجيالا من خريجي كليات الاعلام والصحافة واشرف علي عدد كبير من رسائل الدكتوراه والماجستير ، كان عميدا لكلية الاعلام وركزت من رموز علوم الاعلام والاتصال وترسي قواعد لمناهج هذا المجال ، وأسهم في تطويره و ربطه بواقع الحيا والتطورات الحديثة في علوم الاتصال .
وهل تيتاوي حياته لمهنته ، صحفيا واستاذاً ، لكنه انجز للصحفيين انجازات ضخمة غير مسبوقة في سبيل خدمتهم ففي عهده بدأ مشروع الاسكان والخدمات الصحية والاجتماعية وصنع بجهده ودأبه اطاراً لا محيد عنه نال به الصحفي السوداني بعض حقوقه و اصبح للمهنة سياج واضح خاصة في كيفية دخول المهنة ذات الحواف المرنة حيث صارت اما بالامتحان للقيد الصحفي او نيل شهادة السجل بالخبرة ، وتلك معركة طويلة وعمل جبار قام به الفقيد العزيز الذي سيذكر له تاريخ هذه المهنة أنه كان المدافع الشرس دون إدعاء عن شوف مهنة الصحافة وحقوقها و تسويرها من التغول واختلاط النسب المهني ..
لا اعرف تيتاوي جيدا الا اذا اتقتربت منه ورافقت سفراً او عملت معه في مكان واحد ، فهو طبع واحد لا يتغير ، وضوح لا يتبدل ، استمساك بالحق لا يتزحزح ، فيه حنو الاب علي صغار الصحفيين ،وعطف المحب لزملائه و اخوته ، وتواضع العاِلم العارف ، والسمو عن الصغائر حين يتهافت من يتهافت ..
خاض كل معارك المهنة والدفاع عن ما يعتقد ، كتب لاكثر من خمسين عاما ، قناعاته وافكاره ، لم يضع عن كاهله وعاتقه سلاحه وهو قلمه ، حتي آخر ايام في حياته ، عاش نبيلاً .. مخلصا.. بسيطاً .. نقياً .. طيب القلب ، سليم الفؤاد ، عفيف اللسان ، شامخ الهامة ، عظيم العطاء ، واثق الخطي … حتي لاقي ربه ، قوياً بفكرته ، نصيراً للحق ، لم يلق سيفه و رمحه يوماً ، سينال بإذن الخالق الجبار المتكبر الجزاء الاولي .. ربنا تقله عندك في عليين …