* لن نذكر جديداً إذا أثبتنا للقضاء السوداني إرثه الخالد، العامر بالعدل والاستقلال والحياد ورد الظلم وحفظ الحقوق، لأن تلك الصفات الكريمة ارتبطت به عبر الأجيال، فظل مستقلاً عادلاً شامخاً وعصياً على التدجين، حتى في أوجِّ عهود الشمولية، في بلادنا المبتلاة بالطغاة.
* لم نستغرب أن ينحاز قضاؤنا الأشم إلى الحق، فذاك ديدنه، والشيء من معدنه لا يستغرب.
* سيحفظ له التاريخ أنه أنصف مظلومين نكلت بهم لجنة سياسية، أوقعت بهم حيفاً فاحشاً، بطردهم من مناصبهم، ومنعهم من كسب قوتهم، والتشهير بهم، وانتهاك كل حقوقهم الدستورية والقانونية.
* أبطل القضاء العادل القرارات الظالمة التي شردت بها لجنة الظلم المُقيم آلاف الموظفين، ولم تستثن بقراراتها الجائرة منصات العدالة، عندما انتهكت استقلالية القضاء وجارت على النيابة، بقرارات كفتنا المحكمة العليا عناء انتقادها، بعد أن كتبنا عن عوارها وافتقارها إلى كل مقومات العدالة عشرات المرات.
* ذكرنا أن لجنة إزالة التمكين استندت إلى قانونٍ موغلٍ في الظلم، يجافي كل مبادئ وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة، التي رفع شهداؤها حناجرهم بالهتاف طلباً للعدالة، قبل أن يقدموا أرواحهم ودماءهم رخيصةً في محراب الوطن الحبيب.
* هبَّ أولئك الأماجد حرباً على الظلم، ولم يكن مقبولاً أن يرثهم من لا يعبأون بالعدالة، ولا يقيمون وزناً للحقوق، ولا يتورعون عن توظيف القانون الغاشم للتشفي والانتقام.
* لم تكن هناك حاجةً في الأصل إلى قانون يخالف كل المبادئ الواردة في وثيقة الحقوق والحريات المدرجة في الوثيقة الدستورية، لجهة أنه صدر من جهةٍ غير مختصة بالتشريع، سيما وأن الوثيقة الدستورية أسندت تلك المهمة مؤقتاً إلى مجلسي السيادة والوزراء، إلى حين تكوين المجلس التشريعي الانتقالي في أمدٍ محدد.
* كان القانون الجنائي، وقانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، وقانون الإجراءات المالية والمحاسبية كافيةً لمحاسبة المتجاوزين والمعتدين على المال العام، إلى حين تكوين المجلس التشريعي واضطلاعه بمهمة التشريع للفترة الانتقالية، لكنهم غيبوه عمداً، وتعجلوا إصدار تشريعٍ يفوق قانون قرقوش في ظلمه وحيفه وقبح سماته، واستخدموه في التشفي والانتقام، وقطعوا به أطراف العدالة من خلاف.
* صادروا به الممتلكات، وانتزعوا الأموال والمنقولات، وشردوا به الآلاف من أعمالهم، بمحاكماتٍ ظالمةٍ غاشمةٍ تمت خارج نطاق القضاء، ومن دون أن يمنحوا المنكودين الذين رماهم حظهم العاثر في طريق لجنة الظلم والتمكين الجديد حقهم الدستوري والقانوني في الدفاع عن النفس.
* حرموهم من حقهم في السماع، ومن حقهم في المحاكمة الحضورية، ومن حقهم في المحاكمة العادلة، ومن حقهم في الدفاع عن النفس، ومن حقهم في العمل، ومن الحق في اعتبار المتهمين أبرياء حتى تثبت إدانتهم، وطبقوا عليهم القانون بأثرٍ رجعي، لذلك لم نستغرب مبادرة المحكمة العليا بقذف تلك الأحكام الجائرة المقيتة في سلة المهملات، بحكمٍ قويٍ وصارمٍ، سيبقى للتاريخ، شاهداً على أن قضاء السودان لا يقبل الضيم، ولا يعرف الخضوع للسلطان.
* حكم تاريخي لأنه أوقف تعدي السلطة التنفيذية على منصات العدالة، وحفظ للقضاء هيبته واستقلاله، ومنع أخذ أموال الناس بالباطل، وحظر مظاهر استغلال السلطة للظلم والتشفي.
* سننتظر عودة المحكمة الدستورية من منفاها الإجباري قريباً بحول الله، كي تلقي بالقانون الغاشم المخالف لدستور الفترة الانتقالية في المكان الذي يليق به، داخل مزبلة التاريخ.
* قانون معيب، يسري بأثرٍ رجعي، ويمنح لجنةً سياسيةً سلطات النيابة والقضاء، ويضع كل سلطات الدولة في يدٍ باطشةٍ غاشمةٍ ظالمة، استخدمت في الانتقام وتعمد الأذى، علاوةً على التشهير بمتهمين لم يُعرضوا على القضاء، ولم ينالوا أي فرصة للدفاع عن النفس.
* قانون غاشم، لا صلة له بالحرية ولا المدنية ولا بالديمقراطية المفترى عليها، ولا يمكن أن يسري في أي دولة متحضرةٍ تحترم القانون وتحفظ حقوق الإنسان، لجهة أنه يتجنى على الوثيقة الدستورية التي ينسبونه إليها جوراً وعدواناً وإفكا، لأن الوثيقة المفترى عليها حفظت للناس كل حقوقهم القانونية والدستورية، وحرّمت أخذ أموالهم بالباطل، وحفظت لكل متهم حقه العادل في الدفاع عن النفس.
* بخٍ بخٍ لقضاء السودان العادل المنصف الذي لم يرهب سلطان القراقيش الجدد، ولم يتورع عن إحقاق الحق وبسط العدل ورد الحقوق إلى أهلها.
* حرية سلام وعدالة.. لا يستخدم القانون بقسوة إلا الطغاة.
* صدق من قال: (الحق دولة.. والباطل جولة).. لو دامت لغيركم ما آلت إليكم.