عبدالماجد عبدالحميد يكتب.. المفاضلة بين المكون العسكري في مجلس السيادة ومن يقف خلفه
المفاضلة بين المكون العسكري في مجلس السيادة ومن يقف خلفه من مؤيدي الانقلاب من جهة والمكون المدني ومن يسانده من قوي الثورة المصنوعة .. المفاضلة بين هذين الطرفين مثل المفاضلة بين الجوع والعطش !!
في اللحظات العصيبة لايكون الاختيار بين الجوع والعطش مخرجاً من حالة الموت الوشيك عندما لا تكون هنالك خيارات أخري متاحة ..
الذين يعولون علي البرهان وحميدتي ومن يساندهما من قوي وجماعات داخل السودان وخارجه يرمون برهانهم علي السراب .. البرهان لايملك رؤية محددة ولا مشروعاً لحكم السودان .. الرجل رمي بثقله علي قاطرة التطبيع ووضع يده مع الإسرائيليين صافحهم ومنحهم شيكاً علي بياض دون أن يستشير أحداً ولا حزباً من أهل المصلحة الحقيقيين في السودان .. لم ينتظر تفويضاً من أي جهة ووضع السودان في نادي التطبيع العالمي دون أن يرجف له جفن !!
البرهان أظهر براغماتية مذهلة في تعامله مع أعواد الثقاب في المشهد السوداني .. يحرص علي تبادلها دون أن تشتعل !! .. والمحصلة النهائية أننا أمام رجل لا تتوفر له أدوات الإقناع كقائد للمرحلة ولكنه الآن ( الخيار المتاح أو خيار الضرورة ) الذي تفضله قوي دولية وإقليمية كبري ..
من جهته لا يملك حميدتي برنامجاً محدداً يقدم به نفسه للشعب السوداني .. كل الجهود والمحاولات التي بذلها ويبذلها المحيطون بالرجل لتحسين صورته لاقت حتي الآن فشلاً ماثلاً ولم يخرج حميدتي من كاكي الدعم السريع إلي جلابية القائد والزعيم القومي للسودان !!
التقارب مرة .. والتحالف مرات بين البرهان وحميدتي يصطدم هو الآخر بمواقف صلبة داخل الجيش ومواقف من دول خارجية لا تريد بقاء الدعم السريع كقوة عسكرية ضاربة موازية للجيش السوداني .. والبرهان وحميدتي فقدا خيوط التواصل مع قواعد التيار الإسلامي الوطني العريض بعد تجارب خذلان معلومة فضّل خلالها الرجلان التماهي مع الحرية والتغيير وقوي التيار العلماني واليساري العريض ظناً منهما أن في مركب هذه القوي المتشاكسة السلامة لكنهما لم يحصدا في ختام الرحلة إلا مزيداً من قناعة أن المشي في ركاب القوم سيوردهم موارد الهلاك عاجلاً .. أو آجلاً !!
من جهتها لم تعد لقوي الحرية والتغيير بنسختيها القديمة والمستحدثة ما تغطي به عورة عجزها وفشلها الذي أفقدها ثقة قطاعات واسعة من الشعب السوداني وجماهير غفيرة هتفت للفراغ عقب سقوط البشير وذهاب دولة الإنقاذ ..
التجربة الماثلة أعطت متابعي الشأن السوداني دليلاً قاطعاً علي عجز شامل لأحزاب وجماعات بان عورها وخواؤها الفكري والبرامجي وأخيراً الجماهيري ..
من جهته يدرك رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن برنامج مجموعة ( السلة الإنجليزية) الذي بدأ في تنفيذه عملياً بات مهدداً بضعف قدرات وخيال قاعدته في الحرية والتغيير وشكوك ومخاوف مجموعة العسكريين والأمنيين الذين يتقاسمون معه السلطة ولذلك يجتهد الرجل لتهدئة مخاوف الطرفين والخروج بحل توافقي يمنحه مزيداً من الوقت لترتيب الأمور مع أصدقائه الذين يقفون معه بصلابة بلغت مرحلة دفع رواتب موظفيه ومعاونيه في مجلس الوزراء !!
المخرج من ورطة البلاد الراهنة في طريق ثالث لم يتشكل ويقوي بعد وحتي ذلك الحين يبقي خيار السودانيين في المفاضلة بين الجوع والعطش حاضراً بقوة في ظل غياب مشروع سوداني سوداني لم يبرز بعد لكنه قطعاً لن يتأخر كثيراً !!