جريدة لندنية .. رحلة البحث عن رئيس للسيادي في السودان
اسفير نيوز” وكالات
لا يزال ملف الرئيس المدني لمجلس السيادة السوداني مبهما ويلف الغموض موعد استلامه بدلا من رئيسه العسكري، فيما تبدو القوى المدنية غير متفقة على الشخصية المرشحة لشغل هذا المنصب.
وتمسكت قوى الحرية والتغيير، الخميس، بضرورة انتقال رئاسة مجلس السيادة إلى المدنيين في موعدها دون إشارة لموعد محدد، وقالت “آن أوان تسليم رئاسة المجلس للمدنيين، وضرورة الالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاقية سلام جوبا”.
وتحظى القوى المدنية بتمثيل يضم ست شخصيات وخمسة من العسكريين، فضلا عن ثلاثة من قيادات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، وبرز من المدنيين بمجلس السيادة كل من اسمي محمد الفكي ومحمد حسن التعايشي، ومال الاتجاه في البداية إلى اختيار أحدهما ليحل مكان الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الحالي.
وفي خضم الخلافات بين المكونين العسكري والمدني يتنامي الحديث عن الإحلال والتجديد في رئاسة المجلس، ما أوحى بأن المدنيين يهربون من أزماتهم الداخلية إلى الأمام ويريدون استثمار الدعم السياسي الدولي لإحراج العسكريين ووضع الكرة في ملعب الجيش.
مصطفى الجميل: وصول المدنيين لرئاسة السيادة عملية مشكوك فيها
وتبدو المشكلة أبعد من قبول أو رفض الجيش بتسليم دفة القيادة للمدنيين، لأن السوس السياسي الذي ينخر في الفريق الأخير يعوق تفاهم قواه الرئيسية على اسم شخصية تحظى بالتوافق عليها، ما يعني أن البرهان مستمر لأجل غير مسمى، خاصة أن فترة التسليم والتسلم لا تزال مجهولة بعد التعديلات التي أدخلت على الوثيقة الدستورية بموجب توقيع اتفاق السلام في الثالث من أكتوبر 2020.
وتسببت التعديلات في تباين التفسيرات، حيث فرضت احتساب مدة الفترة الانتقالية المحددة بـ39 شهرا منذ بداية إقرارها، أي في أكتوبر الماضي، بدلا من أغسطس 2019 موعد توقيع الوثيقة، ويتولى قائد عسكري رئاسة الفترة الأولى ومدتها 21 شهرا، ثم يتولى قائد مدني المدة الباقية، ويدور لغط حول اقتسام المدة الإضافية بين الجانبين أم يتم الاحتساب مدة المرحلة الانتقالية من وقت تعديل الوثيقة الدستورية.
ولا يزال الفصل في هذه المسألة غامضا، ويمكن أن يستغرق وقتا، فقد يتم اللجوء إلى جهات قانونية للحسم، ما يعني المزيد من الجدل السياسي، والذي حاولت قوى الحرية والتغيير عدم الانصياع له بإصدار بيان لها الخميس يشدد على تولي الرئيس المدني.
وفجّر محمد سيد أحمد الجاكومي رئيس كيان الشمال مفاجأة في مؤتمر صحافي عقده بدار وكالة الأنباء السودانية، الأربعاء، حيث طالب بعدم السماح لعضوي مجلس السيادة الفكي والتعايشي بشغل منصب رئيس المجلس عن المدنيين، وضرورة الاتفاق على شخصية معلومة ليس لها انتماء سياسي.
وتحولت مشكلة الانتماء السياسي إلى كرة ثلج تكبر يوميا مع كل اسم يطفو اسمه في بورصة التكهنات المرشحة، فعدد كبير من السودانيين يعملون بالسياسة وينشغلون بها، ومن الصعوبة أن تجد شخصية محايدة في الوقت الراهن.
ويأتي الخوف من أن غالبية الأسماء التي تصلح لتولي هذا المنصب جرى حرقها أو تدور حولها شبهات سياسية، كما هو حاصل مع الفكي والتعايشي، فالنيران التي اشتعلت الفترة الماضية بين قوى متباينة جرفت في طريقها الكثير من الشخصيات المدنية الوطنية التي كان يتم التعويل عليها لتولي رئاسة مجلس السيادة.
ويقول مراقبون إن اختيار رئيس مدني للسيادة لم تعد عملية هينة بعد أن ضرب الانقسام تحالف قوى الحرية والتغيير، وبرز معسكران كبيران داخله، ويحاول أن يكون رئيس الحكومة عبدالله حمدوك محايدا بينهما، غير أن هناك أصواتا تشكك في ذلك وتضعه في جانب المعسكر الرئيسي الذي يهيمن على غالبية مفاتيح حكومته.
ويضيف هؤلاء أن تصاعد الهواجس خلق أزمة مستعصية على الحل الفترة المقبلة تعزز نفوذ المكون العسكري وتمنحه فرصة لمواصلة رئاسته لمجلس السيادة دون حاجة لتفسيرات من جانب لجان قانونية خوفا من الدخول في مرحلة فراغ دستوري يحطم تطورات إيجابية عدة شهدها السودان عقب سقوط نظام عمر البشير.
خالد الفكي: التوافق على شخصية مستقلة يقبلها الجميع لن يكون سهلا
وقال المحلل السياسي خالد الفكي إن مكونات الحرية والتغيير تتعرض لأزمة بعد أن انقسمت إلى طرفين، ويصعب الاتفاق على الطرف الذي لديه الحق في تسمية رئيس مجلس السيادة حال جرى تسليم السلطة فعلا للمدنيين، لأن القوى المنشقة عن التحالف التي وقعت على ميثاق “التوافق الوطني” مؤخرا تشكل حاضنة سياسية للمكون العسكري وتعمل على تقويته وسوف تمثل عائقًا أمام توافق المدنيين.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الأحزاب تبحث عن شخصية توافقية تحمل صفة الاستقلالية بعيداً عن الانتماء لأي من التيارات السياسية وتحظى برضا المكونات المختلفة لتكون على رأس مجلس السيادة، لكن الوصول لتلك الشخصية لن يكون ممهداً، فالصراع المشتعل في شرق السودان مع الخلافات البينية والتباين في الرؤى ألقيا بظلالهما على جميع مسارات المرحلة الانتقالية.
وتسبب فشل السلطة الانتقالية في حل أزمة الشرق في عدم حدوث تطور نوعي على مستوى تسوية الخلافات بين المدنيين والعسكريين، وتسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير قريبا، ومتوقع أن تنفجر أزمات أخرى تزيد من الأزمات بين الطرفين.
ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم مصطفى الجميل حدوث تغييرات في عضوية مجلس السيادة قبل تسليم المدنيين رئاسة المجلس، غير أن المشكلة تتمثل في اتفاق المدنيين أنفسهم على الشخصيات المرشحة، وأن الفشل في اختيار بديل للسيدة عائشة موسى التي استقالت قبل عدة أشهر يبرهن على أن الخلافات بين القوى المدنية قد تفقدها حضورها على رأس السلطة.
وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن تحالف الحرية والتغيير ككتلة صلبة لم تعد كما كانت عندما جرى تشكيل مجلس السيادة، بينما يحافظ العسكريون على صلابتهم، ما يجعل وصول المدنيين إلى رئاسة السيادة عملية مشكوك فيها، ويدفع نحو تحرك جهات مدنية للوساطة بين تيارات مختلفة سعيا للاتفاق على معايير اختيار مرشحين جدد.