منذ 30 يونيو الماضية ظللت أرصد وفي حالة بحث مستمر لموقف الإضطرابات في السودان .. ووضع الموقف العام للحكومة الإنتقالية في مائدة المناقشات المحلية والدولية المعمقة وذلك لأسباب كثيرة منها التعثر وإرتباك الحكومة المدنية في التعامل مع قضايا الوطن الداخلية وغياب مؤسسات الدولة في كل المجالات وحالة التردي الذي عم كل المؤسسات وبإعتراف المسؤولين أنفسهم ومن اهم ما رصدت في هذه الفترة تصاعد الأزمات في الشرق والغرب والشمال والجنوب والوسط وتحول مائدة الحكومة الإنتقالية إلي فريقين ( حرية وتغيير ـ منصة التأسيس ومعهم المكون العسكري) و ( حرية وتغيير مجموعة الـ 4 التي تخندقت في مبني المجلس التشريعي ) وهؤلاء يمثلون الفئة القليلة .. وكل من هذين الفريقين يتبني وجهة نظر وملحوظات مختلفة تقف في وجه الفريق الآخر .. إن مجموعة الـ 4 أحزاب الذين نصبوا أنفسهم رجال الديمقراطية المطالبين بحكم مدني كامل الدسم في السودان وضعوا ذلك هدفا مقدما علي أي هدف وقضية وطنية آخري كرسوا كل جهدهم واتصالاتهم الداخلية والخارجية بل صمموا مشروعا سياسيا للمناهضة الميدانية والاعلامية ليس من بين محاور مشروعهم الجديد حل قضية شرق السودان ولا الازمات التنموية والخدمية راهنوا علي من تبقي من لجان المقاومة وكوادرهم الحزبية في مناهضة مشروع الحرية والتغيير ـ منصة التأسيس الذي ينادي بتوسيع قاعدة المشاركة والعودة إلي منصة تأسيس ميثاق وإعلان الحرية والتغيير بإعتبار أن هذا الخط يتوافق مع الخطط والأجندة الإستراتيجية المتفق عليها داخليا وخارجيا بإعتماد نظام حكم تيار ديمقراطي به تحالف خليط ما بين النخب السياسية والمدنية والنخب العسكرية لضمان سلامة الانتقال الديمقراطية في السودان وذلك تأسيسا علي تجارب الاقليم حولنا الذي يوضح بجلاء فشل أي تجربة حكم تم فيها عزل النخبة العسكرية او تخللتها اي دعوات او محاولات لعزل العسكريين وإنفراد المدنيين بالسلطة وهذا رأي الطرف المعارض لمجموعة الأربعة التي إستفردت بالحكم خلال العاملين الماضيين وكانت النتيجة كما ترون مزيدا من التمزق والتأزم والفشل والخطايا التي وقع فيها نظام الحكم الانتقالي خلال فترة زمنية وجيزة وهو ما جعل المجتمع السوداني ينتفض ويحيط هذه المجموعة بجملة شكوك وإنتقادات عنيفة .. واهم ما طرأ من خطايا الحكومة المدنية هو طريقة تعاطيها مع قضية شرق السودان وثورة الناظر محمد الامين ترك وتصويرها انها جزء من مؤامرات الفلول ويجب حسمها بقوة الدولة وهو طرح فشل ولم يحقق نجاحا ولو مجرد. إتفاق هدنة مع ترك وهذا سببه الرئيسي عدم قدرة الحكومة المدنية في مواجهة القضية بطرح موضوعي واعتراف بالقضية بل وبدلا من انتاج حلول حولته الي منصة نزاع بينها والمكون العسكري ولم تنظر للأمر بإعتبارات وطنية وإستشعارا منها لمخاطره .. اليوم الحكومة المدنية فقدت التواصل مع اهل الشرق و(ترك ) تحديدا وطرحت بدائل خجولة مثل مبادرة حزب الامة التي باتت محل سخرية لانها مبادرة بلا رجلين وليس لها توصيف سياسي وإداري .. هل هي مبادرة الحكومة الانتقالية .. ? الاجابة لا .. لان حزب الامة جزء من الحكومة .. هل هي مبادرة سياسية من الحاضنة السياسية ..? الاجابة لا .. لان حزب الامة جزء من أربعة أحزاب حاكمة ومبعدة الآن .. ومن أهم خطايا مجموعة الـ 4 طويلة هي الإستعانة بدول الترويكا للتوسط والضغط علي اهل الشرق وتحريض اعلام الاحزاب الاربعة علي الترويج للمبادرة وهو ما اعتبر استفزازا لاهل الشرق والسودانيين عموما وإنقلب الأمر إلي سؤال عريض : كيف لحكومة لا تمتلك القدرة علي مواجهة شعبها وإدارة حوارات ونقاشات معه بغية الوصول الي حلول مرضية لقضاياه أن تستعين بدول خارجية للتدخل وإرهاب الشعب وتخويفه حتي يتنازل عن مطالبه المشروعة ..? إن كثير من المحللين إعتبروا إستدعاء الحكومة لدول الترويكا وبعض أصدقاء اليسار الخارجيين انها خطوات تعبر ان الحكومة الانتقالية فقدت اهلية حكم الشعب خلال الفترة الانتقالية وأنها فقدت السيطرة الشعبية علي الارض في السودان وبقراءات عديدة للمشهد تأكد أن القادر الوحيد حتي الان علي التعامل مع المجتمع المحلي وإنتاج وقيادة مرحلة إنتقالية تعالج قضايا الوطن وكذلك إدارة حوار منتج مع المجتمع الدولي هو المكون المدني الجديد ( الحرية والتغيير ـ منصة التأسيس) ومعه النخبة العسكرية ومرجعياتهم الإستشارية الاخري لأن هؤلاء مؤمنين بإستيعاب كل الكيانات الوطنية والتنظيمات السياسية والمدنية في الحل وانتاج مشروع وطني جامع لا يستثني إلا من أبي .. هذا التحالف العريض بمقدوره إنتاج فترة إنتقالية جديدة تصحح أوضاع إختلت بشدة علي أيدي جماعة الـ 4 الحاكمة الفترة الماضية .. واليوم السودان كله يفور كالمرجل من الأزمات وطوفان إمتد من الشرق حتي الغرب والوسط والحال تجاوز بمراحل ما كان عليه قبل ديسمبر 2019 ومجموعة الـ 4 تقاتل من اجل الرئاسة المدنية للسيادي وهؤلاء لا يدرون أنهم سلموا كل السودان والجهاز التنفيذي والحال كما ترون وصل بالشعب كأنه كان في حالة عمي عندما سلمهم نتائج ثورته .. إن الشعب السوداني أدرك أنه كان قد شرع في حالة إنتحار مع سبق الإصرار والترصد عندما رضي بشلة الاربعة لتحكمه بلا تفويض .. إن ما نشاهده اليوم هي ربما محاولة إسعاف الوطن وإسترداده من المختطفين وإرجاع عافيته له بعد موت محقق أو وشيك يهدد بقائه ..