نذ فجر الاستقلال الأول ١٩٥٦م ظلت القوي السياسية السودانية تتفق على كل شيء ما عدى الوطن.. تخاصمٌ فكري حاد ، أنحيازٌ حزبي كامل وإقصاءٌ و رفض للمكونات السياسية الأخرى _ كل تلك السنين العجاف التي عدت من عمر البلاد لم تسمح أنانية الساسة السودانيين بأن يمنحوا انفسهم مجرد فرصة لقبول الرأي الاخر ، ليعرض بضاعته ولو فقط من باب التفاهم و التقارب النظري و الاستيعاب الرؤيوي ليتشكل من مجموع نسيج و الوان التباينات قاعدة فكرية وطنية صلبة تصاغ منها خطة استراتيجية شاملة تحوي كل المطلوب الوطني للتنمية و التطوير و الانتهاض على ان تكون ابعادنا الثقافية اللامتناهبة عمادٌ رئيسي تتكيء عليه هذه الاستراتيجية.. ليوفر لنا معرفتنا بثقافاتنا المتعددة الطاقة الكبرى للانطلاق بقوة عدوا في طريق المشروع القومي الشامل.
لا بد من أن نُغير من طريقتنا اللا معقولة في التعاطي مع الخصوم السياسيين.. ليتوقف الخلاف السياسي في محطة الأفكار، وتغطي ظلال الفكرة الأكبر شموس الفكرة الأصغر
.. إن نتجاوز معا حالة الاقصاء الفظة التي ظللنا نضعها في وضع الرفض التلقائي للآخر ..نرفضه لا لشيء سوى لأنه آخر فحسب و بالتالي يجب أن يُمحى تماماً من أديم الأرض.
تقديمي هذا هو بغاية الوصول إلى الفكرة الجوهرية التي أود طرحها هنا.. طرح جاد.. وهي ان تتفق الاحزاب السياسية مجتمعة على تعيين حكومة كفاءات وطنية مستقلة تقوم بإدارة الجهاز التنفيذي لمدة تتراوح ما بين 5_10 سنوات.. على أن تنخرط الاحزاب مع كل الشعب في مشروع نسميه مشروع الإنتاج الوطني .. نعمل فيه كلنا من أجل الإنتاج في جميع مجالات الموارد الاقتصادية التي تذخر بها بلادنا.
تصنف الاحزاب الخبراء والمهنيين والحرفيين كل حسب تخصصه.. الزراعة (القطن المطري ، الصمغ العربي ، السمسم، الفول السوداني ، فول السليم، القمح ، الذرة ، عباد الشمس، البرسيم) الانتاج الحيواني والبيطري.. (تحسين النسل وتطوير صناعة اللحوم من انشاء مسالخ بمواصفات عالمية و مزارع كاملة التأهيل للتربية والتسمين وتصنيع مشتقات الاجبان و تجفيف الالبان بالإضافة إلى الاهتمام باللحوم البيضاء، الأسماك والدواجن).
الجيولوجيا و التربية.. صناعة التعدين من ذهب ومعادن نفسه وغيره).
وهكذا يكون العمل في مشروع الإنتاج الوطني بجماعية و قوة .. يعمل الجميع مجردا من كل هوى شخصي او انتماء حزبي او جهوي او مناطقي .. يعمل الجميع من أجل هدف وطني واحد مشترك وهو بناء الدولة العظمي التي ينشدها الشعب وبايدي الشعب .. بذلك نكون قد خلقنا اقتصادا وطنيا قويا نقدر على أن نستقل به دوليا من تدخلات الدول التي ما فتئت تشرئب بمطامعها الكبيرة بغية الهيمنة على مواردنا الاقتصادية و نكون قد خلقنا الاستقرار و السياسي و الاجتماعي المطلوب.
بالتزامن مع العمل في مشروع الإنتاج الوطني تعمل حكومة الكفاءات المستقلة على تهيئة الأرض لتأسيس دولة الحرية والديمقراطية والعدالة.. تنجز الدستور الدائم وقانون الانتخابات وتراجع كل القوانين التي قد تحتاج إلى مراجعات .. يجري ذلك في جدول زمني يتسق وحركة الإنتاج والنهضة ليدخل الشعب من بعد انجاز مشروع الإنتاج في عملية انتخابية نزيهة و شفافة تضع من يختاره الشعب في سدة الحكم بأجل لا يكون للرئيس فيه الحق في الترشح لأكثر من دورتين، على أن لا تتعدى الدورة الرئاسية الواحدة الثلاثة او الاربعة سنوات.
بذلك نكون قد نقلنا بلدنا بأيدينا الفتية و بمواردنا الذاتية الي مصاف الدول التي تفرض على الدول الأخرى احترامها.
هذه ليست احلام وردية ولا افتراضات نبوية او ملائكة .. فالدول تنهض ببنيها، ولن تنمو وتستقر الا بإرادة شعبها المنصرفة كليا الي تحقيق ذلك الهدف المشترك .. فهل من الممكن لنا أن نتفق على ذلك، ان نوظف التنوع والاختلاف إيجابا لصناعة المستحيل .. ان ننأي بأنفسنا واخزابنا عن الشخصي و الخاص لننحاز تماما للوطن .. ان نتنازل عن الآني ونعمل للآجل ليكون على الغد في أبهى صور الجمال .. هل؟!