حوار: صباح موسى
الحديث مع شخصية كعمرو موسى ليس بالسهولة على أي إعلامي، ولكني عندما أردت حواره، وضعت كلمة السر والمفتاح في الوصول إليه، وهي الحديث عن السودان وقضاياه، وبالفعل كانت الموافقة السريعة، والتي بعدها استقبلنا بكل حفاوة، تحدث معنا بصدر رحب عن السودان لسر اهتمامه به وحبه له، وعن متابعته للقضايا السودانية الراهنة والتحديات التي تواجهها ورؤيته فيها، كما تحدث معنا عن ذكرياته مع السودان وقت أن كان وزيراً للخارجية المصرية وأميناً عاماً للجامعة العربية، وكشف لنا عن أمور وتفاصيل كثيرة ومهمة عن السودان قبل التغيير، وفي حديث مطول مع (السوداني)، وقفنا فيه مع موسى على مراحل مهمة في العلاقات المصرية السودانية، والتي يعتبر مهندس تطويرها الأول بعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل حسني مبارك في أديس أبابا في منتصف تسعينيات القرن الماضي… فإلى تفاصيل الحوار.
* في البداية نود أن نقف معك على مدى اهتمامك بالسودان ومشاكله وقت أن كنت وزيراً للخارجية المصرية وأميناً عاماً للجامعة العربية؟
أنا مهتم بالسودان على الدوام، سواء كنت دبلوماسياً أوسفيراً أو في شؤون الأمم المتحدة التي يوجد بها طرح كبير للتعاون بين الدول، فكان هدفي دائماً أن يكون التعاون بين مصر والسودان والوفود المصرية والسودانية تعاوناً قوياً، وعندما أصبحت وزيراً للخارجية كان لدي رأي في موضوع العلاقة بين مصر والسودان، وكانت متوترة في ذلك الوقت، واستقبلت الكثير من السودانيين الموجودين بمصر في مكتبي بصفة رسمية كوزير للخارجية المصرية، وفي مناسبات اجتماعية وفي زيارات للسفارة، بحيث إن العلاقات يكون بها نوع من(الطراوة) التي تؤدي إلى أحاديث هادئة، في الوقت نفسه كانت قد طرحت موضوعات تتعلق بخطوط وحدود وإلى آخره، فقلت إن هذا الموضوع لا معنى له، وحدود السودان تمتد إلى الإسكندرية، وحدود مصر تمتد إلى نمولي، لا تتصوري كم أدى هذا التصريح إلى انقلاب في العلاقات، برغم القطيعة التي كانت موجودة، وفتح أبواب واسعة، لأنه هو المفروض الذي يجب أن يكون موجوداً، حتى ننزع أشواك المشاكل بقدر ما نستطيع، وبطريقة تؤدي إلى ارتياح الكل، بالذات الشعبين المصري والسوداني اللذين لهما تاريخ من العلاقة والترابط، وهو تاريخ ممتد، وعندما أصبحت أميناً عاماً للجامعة العربية أعطيت للسودان نسبة معتبرة من إهتمامي باعتباره دولة عربية عضواً في الجامعة، نتشارك أيضاً في عضوية الاتحاد الإفريقي، صفتان مهمتان بالنسبة لنا، وعضويته في المنظمتين قد تفتح آفاقاً واسعة للتعاون والتشاور والتواصل، أذكر بعد هذا التصريح والذي فتح أبواباً للتواصل، استقبلت وزير خارجية السودان في مكتبي زيارة رسمية، وبعدها كنت في الطائرة في طريقي إلى ألمانيا، كان إلى جانبي شخص نائم، وبعد ساعة صحي، وقال لي أنت عمرو موسى، فقلت نعم، فقال لي أنا مصطفى عثمان إسماعيل، ولم يكن مسؤولاً كبيراً، كان وقتها في التشكيلات الشعبية، ولكن ظهر لي شخصية لطيفة جداً، تستطيع أن تعمل مقاربة سريعة، وتحدثنا واتفقنا أن الوقت آنذاك لا يصح أن يستمر هكذا، وأنه لا بد أن ينقل للمسؤولين بالسودان أن هناك مسؤولية عليهم، بأن يقوموا ويبادروا بهذا الاقتراب، وقلت له أنا شخص رسمي وأريد أن تنقل عني كوزير للخارجية المصرية هذه الرسالة للمسؤولين، وبدأت علاقة حقيقية طيبة جداً بمصطفى عثمان، وبدأ ينشط من جانبه العلاقة، حتى أن أصبح وزيراً للخارجية، والحقيقة شيلنا هذا الموضوع سوياً، وفي نفس الوقت لا ننسى أو ننكر دور السلطات المصرية في تقبل الأمر على مستوى الرئيس أو الأجهزة الخاصة بما في ذلك وزارة الدفاع، كلهم كانوا مرتاحين لفتح باب تفاهم مع السودان، وكذلك من الجانب السوداني.
* وفي الجامعة العربية؟
في الجامعة أعطيت السودان موقعه السليم من التواصل والتشاور والاجتماعات، وأنه موجود في لجان ومبادرات، بدأت الجامعة كمؤسسة تهتم بالمشاكل في السودان عموماً، وفي الاضطرابات في دارفور وغيرها، وكذلك تقسيم السودان، وبدأت أزور دارفور بصفتي أمين عام الجامعة، وزرت كردفان والجنوب، وعندما اضطربت الأمور في دارفور دعيت مجلس الجامعة للاجتماع في دارفور، حتى نقول إننا معكم ونطرح المشاكل ونساعد على حلها، ولم أغفل في ذلك العلاقة مع الاتحاد الإفريقي، كل خطوة كنت أخطوها في داخل السودان أنسقها أيضاً مع الاتحاد الإفريقي، حتى يشعر أن الجامعة هناك ليست لتنافس، إنما لتساعد في الحل، وإنني شخصياً أرى أن هذا الحل لا يتأتى بيد الجامعة العربية فقط، وإنما بيد الاتحاد الإفريقي أيضاً، فهذا العمل أدى إلى ديناميكية كبيرة بين الاتحاد والجامعة، وليس فقط الحكومة السودانية بل الحكومة داخل الولايات، وساعدنا على أن يكون هناك قوات حفظ سلام من مصر والدول العربية، وعلى وجود بعثات طبية في دارفور، وبالفعل كان هناك وضع صعب في دارفور، وأتذكر أنني رأيت بنات صغيرات يرتدين زيهن المدرسي وينتظمن في الذهاب للمدرسة، وموظفين يذهبون لأعمالهم، وأذكر أيضاً وأنا نازل في مطار دارفور، كان وزير الدفاع في استقبالي وعرفني على الوالي، وأتى معهما شخص من الإدارة اسمه (كهيعص)، فتعجبت كثيراً من الاسم، فقال لي إن لدينا تقليد في السودان، عندما ينجب أحد مولوداً، يفتح المصحف، وأول كلمة فيه يكون منها الاسم، فوالده لقى (كهيعص) فسماه هكذا، وكانت حاجة طريفة، وفي المساء أقام لنا الولي عشاءً محترماً، ليس عشاءً في بلد بها فوضى.
* ما سر إهتمامك بالسودان؟
أعتبر الوطن العربي به أربع مناطق جغرافية، الهلال الخصيب معروف، والخليج معروف والمغرب العربي معروف، والقرن الإفريقي العربي الذي به السودان والصومال وجيبوتي، وهم أعضاء بالجامعة العربية، وبالتالي في أي تشكيل عربي لا بد أن يكون فيه هذا الجنوب، مثل باقي التقسيمات الأربعة، والذي يتداخل تماماً مع إفريقيا، وسياستها داخل الاتحاد الإفريقي، وهذا هو البعد المهم الذي يربط ربطاً قوياً بين الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية، ولذلك كان اهتمامي بالسودان مؤسس وبه تصور جغرافي وعربي وإفريقي واستراتيجي عموماً، بالإضافة للعلاقة الثنائية والتي لم يكن لي بها علاقة وأنا أميناً عاماً للجامعة العربية، بل كان لي بها أيام أن كنت وزيراً للخارجية.
* والآن هل تتابع ما يحدث في السودان بعد التغيير؟
متابعتي عن طريق علاقاتي مع عدد من السودانيين، سواء الذين يأتون مصر للزيارة، أو أحياناً مع السفارة بالقاهرة، وهذا نشاط مهم يتوقف على انشغالات السفير، لأن أنا مواطن عادي الآن، لكن أحاول دائماً أن أعمل اتصالات مع السودانيين في مصر أو في الخارج في الأمم المتحدة وأوروبا وفي أي منشط من مراكز البحث التي أشارك بها.
* وماهي قراءتك للأحداث في السودان بعد سقوط البشير؟
شوفي.. السودان كان يجب أن يتغير، ولم يكن ممكناً البقاء جامداً في ركن من أركان العالم، وفكرة (المهم ربنا يفوتها على خير يوم بيوم)، لا.. السودان يستطيع أن يكون له دور أكبر وأهم من ذلك، حدثت له أحداث خطيرة جداً مثل الانقسام، وهذا أصبح أمراً واقعاً، شمال السودان وجنوبه عليهما أن يتعاونا سوياً، وهذا حادث بالفعل، ومصر يجب أن تتعاون مع الاثنين وهذا أيضاً يحدث، والجيران أيضاً، إنما هناك خطورة للهشاشة القائمة والاضطراب القائم، وأنا متفق تماماً مع الرأي السوداني الذي تعبر عنه الدولة والحكومة وكذلك قطاع كبير من الشعب، عن ضرورة الوحدة السودانية، وضرورة ألا يكون هناك انقسام بين المجموعة العسكرية والمدنية، وألا يكون هناك انقسام داخل المجموعة المدنية ولا العسكرية، هذه مسائل خطيرة جداً، السودان الآن لديه فرصة مهمة أن يخرج من المطب والخندق الذي دخل فيه، ليخرج إلى العالم وهو لديه الكثير الذي يقدمه من الناحية الاقتصادية والسياسية إلى آخره، كدولة إفريقية ودولة عربية وكسودان. هذه آفاق واسعة ومفتوحة، وأنا متفهم للتضحيات التي اضطر أن يقوم بها السودان، وأعرف أنه عندما تنصلح الأمور وأرجو أن يكون هذا قريباً سيكون له مواقف مهمة في إطار العلاقة أولاً الثنائية المصرية السودانية، التي يمكن أن تزدهر، وفي إطار دوره في القرن الإفريقي، وفي إطار دوره في المنظمتين سواء الإفريقية أو العربية.
* هل تقصد بالتضحيات التي قدمها السودان بالتطبيع مع إسرائيل مثلاً؟
مثلاً… وأنا أعتقد أن تطبيع العلاقة بين السودان وإسرائيل ليس له علاقة بالاتفاقات الإبراهيمية، هذا وضع آخر وظروف أخرى، له ما له وعليه ماعليه، السودان فرضت عليه ظروف غاية الخطورة، ولذلك بيضطر يأخذ بعض الخطوات والسياسات، ولا أعلق عليها أكثر مما ذكرته لك، لأني أعرف ظروف السودان، وأعرف ضرورة خروج السودان من الخندق الذي وضع فيه، أتابع هذا بقدر ما أستطيع من الدقة.
* هل لديك نصائح محددة للسودانيين كي يعبروا الانتقال بنجاح؟
لا… لا.. أنا لا أعطي لنفسي الحق في تقديم أي نصائح، وبالذات أن يكون فيه نصائح إعلامية، أعتقد أن ذلك غير سليم ولا يصح، السودانيون يعرفون، هناك المشاكل المدنية العسكرية هذه لا بد وأن تنتهي وبسرعة، سمعت بيان الفريق البرهان، هو جيد جداً، وردود الفعل عليه من أوساط شعبية، لأنني لا أرتبط فقط بالدولة، وإنما بالمجتمع وأتابعه، والسودان نشط جداً في المجال الحزبي والنقاش السياسي، فهو شعب مسيس من أوله لآخره، أهم نقطة في رأيي هي عدم الوقوع في (شرك) الانقسامات والصدامات، لأن هناك قوى شريرة تؤدي إلى ذلك، وهذه القوى الشريرة تأتي من خارج الحدود، مثلما تنبع من بعض الأركان والخنادق المختفية، المهم الحفاظ على فرصة السودان للخروج من هذا النفق الذي أضاع عليه عشرات السنين.
* هل ترى أن هناك تطوراً في العلاقات المصرية السودانية بعد التغيير رغم ربكة الأحوال في السودان؟
طبعاً هناك تطور، وهو ظاهر وواضح في أن هناك مصالح مشتركة، في موضوع سد النهضة مثلاً، ليس شرطاً أن تكون متطابقة، عندما أقول مشتركة لا أعني أنها متطابقة، أو أن المصلحة المصرية من واحد لمية متطابقة مع المصلحة السودانية، من الممكن أن يكون بها عناصر كثيرة مشتركة، والمصلحة تكون مشتركة بنسب مقبولة تؤدي لعمل مشترك ومواقف مشتركة نحو التوصل إلى حلول هادئة وسليمة تحفظ مصالح مصر والسودان.
* بمناسبة الحديث عن سد النهضة ماهي رؤيتك للجمود الذي يصاحب الأزمة الآن بعد البيان الرئاسي لمجلس الأمن؟
كان هناك جمود قبل وبعد البيان، ومن الطبيعي أن يكون هناك تصعيد مع كل تخزين، وجعلنا من الماء كل شيء حي، فالحياة مرتبطة في كل المجتمعات بوجود المياه، وعندنا نهر النيل تاريخي، يرتبط بالتاريخ كله، منذ بداية التاريخ يظل مهماً حتى نهاية التاريخ، ونرجو أن تكون هذه المشكلة إحدى المشاكل التي تأتي وتذهب، ورغم خطرها إنما في النهاية نصل إلى حل فيها، فهذا النهر نهر تاريخي.
* هل تعتقد أن إثيوبيا سوف تتجاوب؟
السياسة الإثيوبية لم تتجاوب حتى الآن بالطريقة التي يمكن أن تؤدي إلى حل، وليس فقط إلى حل لموضوع المياه ونسبها وحجم الأمطار، يجب أن تحل في إطار فكر شامل أن يكون وجود هذا السد، وانسياب المياه، وتوليد الكهرباء لاستفادة الجميع منها ..يبقى خير للكل، والكل يستطيع أن يتعامل معه ويستفيد منه، إنما التوتر الخاص بحقي وحقك، هذا موضوع لا يمكن أن يستمر، ولن ينجح، ولو نجح اليوم أو ظهر أن عنده فرصة، غداً لن يكون كذلك، لأنه لا يمكن أبداً أن يفكر أحد أن يجف النيل أو تقل مياهه، أو تمنع مياهه عن الانسياب ..هذه مسائل غير متصورة، وهذا ضد التاريخ، وضد المنطق وضد مصلحة الجوار والمصلحة المشتركة والاستقرار في إفريقيا والاستقرار في جزء مهم جداً من العالم، فأنا لست مضطرباً بسبب وجود مشكلة سد النهضة، لأني أعتقد أنها مشكلة طارئة وسوف تنتهي.
* مقاطعة… كيف تنتهي؟
كيف… هذه مسائل فنية (سيبك منها)، إنما أصحاب السياسة الذين يصروا على سياسات غير منتجة وغير إيجابية، أرى أن الزمن والفاعلين فيه سوف ينتهي، لأن مصر منذ آلاف السنين هي مصر، والسودان وإثيوبيا كذلك، لم يتغير شيء ولن يتغير، بحيث إنه يؤدي لعطش مصر وخراب السودان.
* هل هذا معناه أنه لا داعي للقلق بشأن سد النهضة؟
لا… كلمة (لا تقلق)، يمكن أن يكون بها سلبيات كثيرة، نحن يجب أن نقلق، وضروري أن نكون قلقين وأن يستمر هذا القلق، إنما يجب أيضاً أن نكون واعين أن بأيدينا الكثير من الوسائل، ولدينا وقت، لذلك أدعو لاستمرار القلق، ولكن أيضاً إلى الاستقرار الذهني أننا سوف ننجح في أن نصل إلى حل، وما بين هذين الأمرين أننا قلقون ولكننا لن نسلم أبداً بالفشل في هذا الأمر، وهذا أساس لسياسة أو مشاركة في سياسة أو في مواقف، ويمكن أن ننجح في ذلك، وقد تشاركنا في ذلك الدول المحيطة بإثيوبيا.
* هل تقصد أن بدائلنا في سد النهضة بالضغط والمصالح؟
هناك وسائل سياسية كثيرة جداً لا تزال باقية، أن يتصور أحد أن نهر النيل يمكن أن يجف أو يجففه أحد، يمكن أصحاب هذه السياسة يحدث لهم هم هذا الجفاف في وسائل فهمهم للحياة المشتركة معهم ومع جيرانهم.
* في مذكراتك ذكرت عدداً من الشخصيات.. هل لك ذكريات مع البشير يمكن أن تحكى؟
كان لي علاقات مع البشير بالطبع كرئيس للسودان للعشرين سنة التي كنت فيهم وزيراً للخارجية المصرية وأميناً عاماً للجامعة العربية، كان يقدر المبادرات المصرية والجامعة العربية وقت أن كنت مسؤولاً بها، وكنت أحدثه بصراحة، وكانت العلاقة طيبة، وساعدت كثيراً في موضوع العلاقة مع المدعي العام للجنائية الدولية أوكامبو وقتها، وكنت أعرفه جيداً، فكنت أتدخل كثيراً لتهدئة الأمور ووضعها على الطريق السليم، وكنت أرى أن الحاصل في السودان ليس فقط جريمة البشير، وإنما هناك عناصر كثيرة أخرى، منها العناصر الإرهابية، أو الميليشيات التي تقتل المدنيين، فلا بد أن نرى السودان كله كي نحكم.
* مقاطعة… هل تقصد الحركات المسلحة أيضاً؟
الميليشيات الدموية (الجنجويد)، وغيرها من الطرف الآخر، وكان هناك فوضى كبيرة جداً.. المسؤولية على البشير تأتي من أنه رئيس الدولة، ومسؤوليته أكبر من غيره بالطبع، إنما هذه المسؤولية يجب دراستها جيداً، عندما يكون هناك محكمة جنائية دولية، وكنت أتواصل مع أوكامبو وأوصيه بالهدوء، وأقول له لا ننفي أهمية المحكمة الجنائية، لكن ضروري تسوس الأمور بطريقة مختلفة.
* البعض في السودان الآن يصر على تقديم البشير للجنائية الدولية ما رأيك في ذلك؟
هذه مسائل خاصة بالسودان لا تعليق لي عليها إطلاقاً، لا أتدخل فيها.
* هل كان البشير لديه نوايا صادقة في العلاقات مع مصر؟
هذا السؤال به الكثير من الذكاء، والله أعلم بالنوايا، ولكن بما كنت أراه وأراقبه أقول أنه كان هناك شيء في النفس لديه تجاه مصر، قد يرتبط هذا بتيارسياسي معين هو مرتبط به، لكن لم تكن الأمور على ما يرام فيما يتعلق بالسياسة السودانية إزاء مصر.
* هناك من يرى أن مصر دائماً تتدخل في شؤون السودان ما تعليقك على ذلك؟
كيف؟ هذا كلام غير صحيح، وجملة (دائماً تتدخل في شؤون السودان) هذه جملة (ركيكة) في التركيب وأساسها المنطقي والفكري والسياسي غير سليم. أنا لست مع هذا الاتهام، فهو ليس صحيحاً.
* وبماذا ترد على من يقول أن مصر ساعدت في انفصال الجنوب؟
هذا غير صحيح مئة بالمئة، أعيد السياق مئة في المئة غير صحيح، وهناك فرق كبير، لو قلت مئة بالمئة ممكن يكون 80% مثلاً، والذي اهتم وكان متحمساً لانفصال الجنوب هم حكام الشمال، وأنا تحدثت معهم، وتحدثت مع الصادق المهدي شخصياً هنا في مصر، وقلت له، كيف يكون موقفكم هو الانفصال، كان عندهم سواء في الحكم أو المعارضة ما أدى بهم إلى الاعتقاد أنهم (عاوزين يخلصوا من جنوب السودان).
* حتى على مستوى المعارضة؟
الكل.. الكل.. أنا كلمتهم كلهم واستمعت إليهم كلهم، مصر لم يكن لها أي دور في هذا، بالعكس مصر كانت غاضبة جدا لانفصال الجنوب، فهي مسائل أبعد من إفريقيا ومصر والسودان، كانت سياسة عالمية وغربية والاضطراب الذي كان موجوداً بالسودان جعله غير قادر على مقاومة هذا، وبالتالي رأوا في هذا مخرجاً قد يهدئ الأمور، خصوصاً أن في موجودين من الجنوب في السودان وحول الخرطوم حوالي 5 ملايين مواطن، فالانفصال الشعبي لم يحدث، إنما كان انفصالاً رسمياً وبموافقة أو تسليم أو استسلام الطبقة السياسية السودانية، ولم يكن لمصر إطلاقاً أي دور في ذلك، ولو كان في دور أن أتصوره كان سيكون في الشاطئ الآخر من هذا الاستسلام.
* في الختام كلمة أخيرة للسودان والسودانيين في هذا الوقت الحرج؟
التحية لكل السودانيين، والتمنيات الحقيقية المخلصة بأن هذا الوقت ليس وقت انقسامات وصدامات بين السودانيين بعضهم البعض، الوضع خطير جداً، وفي كل المنطقة بخطورة لم تحدث من قبل، سواء في العالم العربي أو في القارة الإفريقية، وليس فقط الموضوع الحكومة والمشاكل، هناك تحديات كبيرة ستقضي على الأخضر واليابس، موضوع كورونا، الكلام الذي تقوله منظمة الصحة العالمية والمتخصصين، بأن هذا لن يكون آخر وباء، هناك عصر أوبئة قادم، لأن عصر الإلكترونيات والتقدم العلمي، سيبقى له متروكات وآثار كثيرة ستكون سبباً في مسار جراثيم وأمراض، واتضح أن العالم ليس قادراً على الوقوف في وجه كورونا، والعالم انهزم أمامها، والآن نحاول بالكاد أن نتسلق حتى نستطيع أن نتعامل معها، فهذه مسائل مهمة عاوزه حكومات قادرة، وتستطيع أن تتفرغ لمصالح الناس، ومصالح الداخل، كذلك تغيير المناخ والتصحر، وتآكل الشواطئ وغيرها، فهناك مشاكل كبيرة جداً، ولا بد وأن تكون الحكومات جاهزة لها، وحديث الماضي بالانقسامات والهتافات، هذا حديث أصبح مضراً جداً جداً جداً.