Site icon اسفير نيوز

الكاتبة المصرية أمينة النقاش..فى السودان لا استقرار بدون الجيش

الأخبار القادمة من الخرطوم تثير القلق على مستقبل السودان وعلى أمنه واستقراره. فالتصريحات العدائية بين الطرفىن العسكرى والمدنى فى مجلس السيادة والحكومة ، لم تتوقف منذ الإعلان عن محاولة الانقلاب الأخيرة. وتلك حالة لن يستفيد منها سوى بقايا نظام الإخوان، القابعة فى معظم مؤسسات الدولة والحكم، والأغلب أن تلك المشاحنات لن تسفر سوى عن فقدان الثقة بين المواطنين وبين المجلس الانتقالى الحاكم ، الذى تشكل من قيادات مشتركة للمؤسسة العسكرية وأطراف مدنية، لإدارة الفترة الانتقالية طبقًا للإعلان الدستورى الموقع عليه فى أغسطس 2019،لتقاسم السلطة بينهما خلال 39 شهرا ، و حتى إجراء الانتخابات التشريعية فى العام 2024.

يخطئ من يظن أن نحوعامين من سقوط نظام البشير، كفيل بحل مشاكل السودان وإخراجه من أزماته الاقتصادية والاجتماعية والتنموية والأمنية المتراكمة منذ استقلاله فى العام 1956. كما يخطئ كذلك كل من يتصور أن بمقدوره إقصاء طرف من المعادلة السياسية التى تشكلت عقب نجاح الحراك الشعبى فى الإطاحة بنظام الإخوان فلا تجمع قوى الحرية والتغيير الذى قاد الحراك الشعبى قادرًا على فرض كل شروطه ، لاسيما بعدما نشبت خلافات بين صفوفه، ولا الجيش سيسمح بإبعاده عن النفوذ السياسى، ولا الحكومة المدنية قادرة بذاتها على إحداث التغيير المطلوب ، دون دعم الجيش ومساندته، وإنهاء مهام المرحة الانتقالية بنجاح تام.

ومنذ استقلال السودان عام 1956 والجيش لاعب أساسى فى الحياة السياسية ، بدعم وتشجيع من القوى والأحزاب الطائفية والدينية، والأحزاب المدنية ، التى حرص كل منها على تجنيد ولاءات وأعضاء من بين صفوفه. وخلال ثلاث تجارب ديمقراطية قصيرة الأجل ، عاش خلالها السودان صراعًا لا يكل ولا يهدأ حول محاصصة تقاسم السلطة بين قوتين تقليديتين طائفيتين هما الحزب الاتحادى وحزب الأمة، وهو صراع لم يتوقف سوى باستدعاء أحدهما للقوات المسلحة بالتدخل لحسمه، أو تهيئة المناخ لها للقيام بانقلاب كما جرى فى يونيو عام 1989، حين أطاح إخوان السودان بالحكومة المنتخبة، بعدما أدت الصراعات داخلها، إلى إفقاد الشعب السودانى الثقة فى أن الديمقراطية هى النظام الأمثل لحل مشكلات بلاده المتراكمة والمأزومة.

لم تكن المشكلة تكمن فقط فى المماحكات السياسية بين الحزبين التقليديين بل كذلك فى الترهل فى الهياكل التنظيمية لهما، وفى القيادة الفردية التى أضفت على نفسها قداسة دينية، وأيضاً فى الانشقاقات التى أضعفتها، وفى الغياب القسرى الذى دفعها لمعارضة نظام البشيرمن الخارج، مما وأبعدها عن التأثير فى أرض الواقع ، وهو ما مكن جماعة الإخوان من استغلال تلك الظروف، لتعكف على تغيير معالمها تماماً . فقامت بحملات فصل غير الأعضاء وغير الموالين لها من أجهزة الدولة، وأخونة مؤسسات الدولة والجيش والحكم والخدمة المدنية، فضلاً عن حروب التطهير العرقى والديني، التى مهدت لفصل الجنوب، وأشعلت الحرب الأهلية فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

خطاب الكراهية ضد الجيش ، الذي تروج له أطراف مدنية فى الحكم وخارجه، والتحريض عليه فى سائل التواصل الاجتماعى التى تسيطر عليها جماعة الإخوان وأنصارها، وتصيد تصريحات غير ملائمة لقادته من هنا وهناك ،لا يخدم مصالح عامة ، بل هو يهدد بدفع جميع الأطراف للتشدد ، ويطيل أمد الفترة الانتقالية ، فضلا عن أنه ينكر حقيقة ، أنه لولا دعم الجيش للحراك الشعبى ، ماسقط نظام البشير .

تعهد الفريق أول «عبد الفتاح البرهان «بإجراء الانتخابات العامة فى موعدها ،وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة ، وبدأت الخطوات التنفيذية نحو تطبيق هذا التعهد، والحكمة تقتضى من الجميع العمل المشترك للوصول إلى تلك الخطوة .إذ إن مواصلة التظاهر وخطاب الشارع الثورى والآخر غير الثورى والشعارات الرومانسية عن الثورة المستمرة والدائمة ، ليس من شأنه إحداث استقرار بات تحقيقه ضرورة لإعادة بناء الدولة إذ إن البديل الوحيد لها هو الفوضى الشاملة، التى أشاعها ربيع مشكوك فى عروبته.

 

Exit mobile version