مات حنفي..
مات أستاذ الفلسفة الشهير – بجامعة القاهرة – حسن حنفي..
طيب وما علاقة حنفي هذا بسوزي؟..
علاقته بها من علاقته بي…من علاقتي به…من علاقتي بسوزي..
ثم علاقتنا جميعاً بالفلسفة…وقاعتها..
وباب قاعتها هذا كان يعني لحنفي الكثير…وتحديداً مشجبه الافتراضي..
كان يطالبنا بخلع عباءاتنا عنده..
أي انتماء ؛ سياسياً كان…أم فكرياً…أم مذهبياً…أم حتى دينياً..
ثم تعليقه على مشجبه لحين انتهاء المحاضرة..
فهو يريد عقولاً محضة داخل القاعة ؛ لا تأثير للانتماءات هذه عليها..
وسوزي كانت تخلع عباءتها مثلنا..
وتعلقها على المشجب…ولكن يبقى صليبٌ معدني لامعٌ معلقاً على عنقها..
ويبقى – ما بقي على صدرها – تأثيره الديني..
وبفعل هذا التأثير ثارت في وجه حنفي – ذات محاضرة – ثورة صليبية..
لم تحتمل أي مساس بفكرة الثالوث..
أو بمعتقد الثالوث الذي تؤمن به ؛ الآب…الابن…والروح القدس..
وحنفي ما كان يحتمل أي قناعة مسبقة..
ومن شدة إيمانه بعدم الإيمان المسبق هذا حسبناه غير ذي إيمان..
ثم اكتشفنا أن إيمانه كان عن منطق..
بل وتم تصنيفه – بعد ذلك – بأنه فيلسوف الجماعات الإسلامية غير المتطرفة..
قال – في تلكم المحاضرة – أن الذات الإلهية بسيطة..
ومفردة بسيط تعني – فلسفياً – الجوهر الذي هو قائمٌ بذاته…وعلى ذاته..
ولكن التثليث ينتقص من كمال البساطة هذه..
فهو يجعل من ذات الله ذاتاً مركبة…إن لم تجتمع لا تدل على الله..
وأثناء حديثه كانت سوزي تتأرجح..
تتأرجح غضباً…وقلقاً…ورعباً ؛ ويتأرجح – كذلك – الصليب على صدرها..
ولم تحتمل ما ظنته تجديفاً في معتقدها..
ولم يحتمل حنفي جلوسها في القاعة وبعض عقلها يتدلى أسفل عنقها..
وخرجت من درسه – وحياته – إلى الأبد..
ودخلت حياتي أنا ؛ مع دخول حنفي إلى حياتي – وعقلي – إلى الأبد..
فصار في حياتي نقيضان ؛ حنفي…وسوزي..
ولكنه دخول سوزي هذه في حياتي لم يكن دخولاً عاطفياً…ولا إلى الأبد..
بل كان – إن جازت التسمية – دخولاً فرويدياً..
فقد كانت بحاجة – عقب المحاضرة – إلى من يطبطب على عقلها…و صليبها..
فكنت أنا – بمحض صدفةٍ – المطبطب…والطبيب..
فقد مررت بجوارها – عقب المحاضرة – فوجدتها تتشنج غضباً..
كانت ترتجف…ويرتجف صليبها..
وارتجفت أنا نفسي حين طلبت مني مرافقتها إلى منزلها…إكمالاً لجميلي..
واعتذرت…ورافقتها زميلةٌ لنا..
ولما سكت عنها الغضب عادت إلى القاعة مرة أخرى…عدا درس حنفي..
واعطتني وريقة بها وصف بيتها..
وظلت تلح علي أن أزورها…وألح أنا في الاعتذار…لماذا؟…لست أدري..
وكلما أذكره من العنوان هذا الآن شارع سركيس..
لم أكن معجباً بها ؛ في حين ازددت إعجاباً بحنفي…ومنطقه الديني..
فالدين يرسخ في العقل عن منطق…وبمنطق..
والبارحة ارتجفت عند سماعي خبر وفاة حنفي…كرجفة صليب سوزي..
بل إن موته هذا ذكرني بها..
أما هي فقد نسيتني – قطعاً – كما نسيت حنفي…ومحاضراته..
وذلك بعد أن لم ألب دعوتها – أبداً – لزيارة بيتها..
وبقي بذاكرتي من حنفي الكثير…وأهمه خلع العباءة في حضرة الفلسفة..
عباءة أي معتقد فكري…أو حزبي…أو ديني..
أما هي فلم يبق في ذاكرتي منها شيء سوى صليبها…وشارع بيتها..
ســـوزي !!.