عميد م /ابراهيم مادبو يكتب.. عصابات الِنقُرز الوجه الخفي!!

0

ليس هزلاً أن تُطعن بسكين أو تُضرب بساطور أو يُطلق عليك النار.*

1️⃣ المتتبع للأحداث الأخيرة والمتلاحقة بشأن تفاقم ظاهرة عصابات النقرز وأعمال الفوضى والتخريب والنهب تحت تهديد السلاح والتفلتات والخروقات الأمنية خاصة تلك التي تتزامن مع أوقات التظاهر والتجمعات، يجد أن هناك رابط خفي يوجه الأمور نحو *بلوغ نقطة فقدان الثقة بين المواطن والقانون،* وهذا يحتم إنتهاج سياسة ومقاربات حاسمة ونظرية جديدة حيال هذه العصابات وجعلهم يدركون أن أي مجابهة مع النظام وخرق القانون ستكون دائماً باهظة الثمن وأنها ستؤدي إلى الخسارة حتماً، *وبحيث تصبح هذه النظرية نظاماً متكاملاً في ذاته تعمل من خلاله قوات الشرطة لتحقيق «الروع» الرادع* والذي يعني حمل عصابات النقرز والجرائم المنظمة على الإحجام على القيام بخرق القانون *من خلال إبراز مخاطر أكبر وزناً من الكسب الذي يجنونه من التعدي والسرقة والنهب*، حتى إذا إستدعى الأمر مهاجمة هذه العصابات في قواعدهم وداخل أوكارهم على نطاق واسع من خلال العمل المتزامن لجميع وحدات الشرطة بمدن العاصمة الثلاث، *لخلق حالة عقلية لدى المتفلتين تتمثل في التهديد وقدرة الشرطة على جلبهم وإخضاعهم للعدالة والعقاب أمام محاكم طوارئ إيجازية وكشف ومعرفة من يقف خلفهم ويدعمهم لتحقيق أجندته وأغراضه*، فهناك أحاديث ونقاشات تدور في الميديا الإلكترونية حول تصريحات لبعض المسؤولين منذ العهد البائد مروراً بتصريحات لبعض مسؤولي الحكومة الانتقالية السابقة – ماقبل التصحيح – بأن هناك جهات تمول هذه العصابات وتتلاعب بأضلاع مثلث الفوضى وهي الرعب والذعر والقتل وسط المواطنين لإفشال الفترة الانتقالية، *لا سيما وقد بدأ بعض النشطاء في طرح أسئلة مشروعة عن ماهي الجهات التي لها مصلحة في اشاعة الفوضى والقتل والنهب لفتح الطريق أمام القادم المجهول الذي قد يستغل دعاوى عدم الأمن والطمانينة،* بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك والتمهيد إلى إقناع المواطنين بأن عصابات النِقُرز ما كان لها أن تفرض وجودها على مسرح الأحداث والعمل جهاراً نهاراً وفي الطرقات والأحياء والأسواق أن لم يكن لها تنسيق مع مجموعات سياسية حزبية، أو مع عناصر من القوات الأمنية والشرطية داخل الحكومة وأن هذه العناصر لا مصلحة لهم في التغيير أو أنهم يعملون لتقويض الإنتقال.

2️⃣ تكمن خطورة عصابات النقرز في أنها تنتمي إلى نوع يُعرف بإسم العصابات التقليدية البراقة وهي بمثل هذا التوصيف تكون قابلة للإنتقال عبر الأجيال مما يزيد من معدلات العنف والجرائم مالم يتم تدارك مخاطر الإمتداد وقطع تسلسل التواصل، وهذا يتطلب وجود إرادة سياسية قوية لحفظ أمن البلاد والعباد وتأمين الفترة الإنتقالية، فالأمن مسؤولية مشتركة بين الجميع ولن يتحقق القضاء على هذه الظاهرة دون توفر الإرادة الجمعية وتحقيق الوفاق والتناغم بين شركاء الحكم وقواعدهم، وبعد ذلك يمكن بكل سهولة التفكير في كيف يمكن تحويل النيقرز – كشباب – من قوى فوضوية شريرة سلبية إلى قوى منتجة مفيدة ودمجهم فى المجتمع، ومن أجل ذلك يجب ان نبحث بعلمية ودراسة منهجية عن الأسباب التي أوصلت النيقرز إلى هذا الحال ومن ثم يمكن ترويضهم والإستفادة منهم، وبالتالي القضاء على ظاهرة مقلقة ومعيقة يمكنها أن تقود إلى إنفراط عقد الأمن وفقدان هيبة الدولة، والأخطر من ذلك تهديد مسار التصحيح وإرباك تسلسل الإنتقال السلس، كما يجب أن تقوم الشرطة ببدء إجراءات أولية وأن تقوم الشرطة بإعادة العمل بنظام الكبسولات داخل الإحياء مع التركيز على الدوريات المتحركة والإرتكازات الثابتة وبنظام توزيع جديد يغطي الأحياء غير الآمنة أو التي تتتواجد بقربها بؤر التفلت.

3️⃣ لقد فشلت كل الحلول الأمنية السابقة وكل الإجراءات الوقائية والحملات المنعية والكشفية والاطواف الليلية، للحد من خطورة هذه العصابات، *بسبب أننا قد تعودنا في السودان أن تتبع الإستراتيجيات التكتيكات وهذا خطأ كبير*، فالتكتيك وسيلة من وسائل تطبيق الأستراتيجية، وبمعنى اخر على التكتيكات أن تتبع الإستراتيجية لا العكس، *فالإستراتيجية هي التي تختار التكتيكات وتوجه تقدم التكتيك لتمكنه من القيام بدوره للوصول إلى النتيجة الحاسمة والمرجوة،* وهذا ما نطمح إليه ونريد أن يتم التطبيق السليم في كل الحالات *حتى تلك المرتبطة بأعمال القوات المشتركة لتأمين العاصمة واقليم دارفور*، فإنتهاج الإستراتيجية الصحيحة والمداومة والمباداة من المبادئ التي تحقق الأهداف.

4️⃣ إن ما يحدث الآن بالسودان هو فوضى ستقود إلى فوضى أشد وكوارث كبيرة، خاصة في ظل الدعوات لتسليح المواطنين والتصدي للمجرمين بأيديهم، ولذلك يجب أن يفكر الجميع بعقلية رجال الدولة وليس بالعواطف والإندفاع والإنطباعية وردود الأفعال، فإذا عجزت الشرطة عن القيام بمهامها يتم تدخل الجيش وفق تخويل قانوني ووفق أوامر عمليات الأمن الداخلي *مع وضع قواعد اشتباك جديدة ومستحدثة تتناسب والموقف الماثل*، وإذا ثبت أن هناك موانع تحول دون تدخل الجيش يتم وضع خطط بديلة لإيقاف السيولة الأمنية، ومثال ذلك يمكن اعتبار كل ثلاث أو أربعة أحياء متجاورة كقطاع واحد واختيار عناصر من سكان كل قطاع لديهم أسلحة مرخصة ومعروفين بالاسم والاوراق الثبوتية ويزودون بباتش او علامة على الكتف أو الصدر ويكونوا داخل القطاع تحت أشراف فرد أمن مزود بأجهزة إتصال ومرتبطاً بغرفة العمليات الشرطية، ويمكن أن يتوزع المواطنين في شكل دورية أو في موقع ثابت او حتى متواجدين داخل مساكنهم ويتحركون عند حدوث شئ او حضور النقرز، أما اذا تركنا الحبل على الغارب للمواطنين بدون تنظيم فسنشهد مزيد من الفوضى والحوادث ومن المحتمل أن تفكر هذه العصابات في سبيل بحثها عن القوة إلى التوحد والإندماج فيما بينها ويظهر نمط جديد من التنظيمات الإجرامية أشبه بعصابات فرسان شيكاغو (Chicago Outfit)‏ ومنظمات الاجرام الروسية المافيا الروسية (Russian manfia) وبلطجية مصر والمافيا الإيطالية والعصابات الأفريقية المشهورة، وقد نصل على أسوأ الفروض إلى مرحلة التطهير (The Purge) التي شاهدناها في الفيلم الأمريكي الشهير بنفس الاسم والذي يدور حول مفهوم التطهير وقتل المتفلتين وفتح الباب أمام الإضطرابات ودخول أصحاب الأجندات والمصالح وإتاحة وتهيئة الفرصة لنشوب الفوضى الخلاقة التي ينتظرها أعداء البلاد وما أكثرهم.

5️⃣ *ختاماً* لا بد من العمل الجاد والمدروس للتصدي لهذه العصابات حتى لا يتنامى دورهم ويصبحون أحد العوامل التي تساهم في إضعاف الدولة السودانية وزعزعة استقرارها وتخريب نسيجها الإجتماعي وتهديد وحدة مكوناتها الداخلية، بإظهار عيوب التفاوت الطبقي وما ينتج عنه من أخطار تقود إلى خلق صراع إثني جديد ينخر في تركيبة السودان المتعددة والمتنوعة، ولذا فإن *مجابهة أمر عصابات النقرز يحتاج إلى كثير من البراعة وقليل من الدخان،* وإلا فكلما طال أمد بقاء هذه العصابات، سنحت لهم فرصة أطول ليخلقوا نوعاً جديداً من العصابات، وهذا سيدفع السودانيين إلى التفكير بجنون وغضب وستصبح الخرطوم أكثر فظاظة، وربما البلاد كلها.

 

اترك رد