عميد م/ ابراهيم مادبو يكتب.. ذُرْوَة الأحداث، والتَعْلَّمُ بالطريقة الصعبة
➖ هَذا أَوَانُ الشَّدِّ فَاشْتَدِّي زِيَمْ، فالقادم أخطر مما ظهر حتى الان، فنحن مازلنا أبعد ما نكون عن متطلبات الإنتقال، ويبدو أن كثير من ساستنا ونشطاؤنا يريدون تقسيم الجبهة الداخلية أكثر مما مضى، وبات من الواضح أن هناك أطرافًا تريد القفز في مقدمة الاحتجاجات الشعبية واستغلالها لتحقيق أجندة صفرية تقود البلاد إلى مصير مجهول ونشر الكراهية وخطابها بين أبناء الشعب، وإستعداء المواطن على شقيقه المواطن يستوي في ذلك من كان بالخرطوم أو دارفور أو كردفان أو الشرق وأقاليم السودان كافة.
➖ بعض الجهات هرعت إلى إستغلال الأحداث في دارفور إستباقاً للموعد النهائي لخروج بعثة اليوناميد، وهو رسالة للخارج للنظر في تمديد أجل البعثة لتعمل مع رصيفتها اليونيتامس، وهذا يفسر ارتفاع وتيرة البيانات التحريضية التي تزيد الموقف إشتعالاً، بالإضافة إلى سباق المواثيق الذي يدور في مضمار الخرطوم، فما من جهة سياسية إلا وقد أصدرت وقدمت أكثر من ميثاق وإعلان وإتفاق يؤطر لمصالحها دون غيرها ويؤدي إلى مزيد من التشظي والإنقسام، الكل يتهافت إلى إثبات وجوده ومحاولة إقتطاع الجزء الأكبر من كيكة الثورة، دون إكتراث إلى أن أي مبادرة لحل مشاكل الوضع الحاليّ تخرج على الشرعية الموجودة الآن ليس لها أي مكان، والشرعية المقصودة هي الوثيقة الدستورية وشراكة الإنتقال وإصلاح معاش الناس والدعوة إلى وضع الدستور وإقامة دولة القانون وتكوين المجلس التشريعي بالإنتخاب الشعبي المباشر وليس التعيين.
➖ وما بين خيارات الشارع المنقسم والحكومة السودانية معًا، يتعاظم تشتيت جهود رأب الصدع، فالحكومة وهي تنظر إلى حال الفرقاء، والمتعاطفين معها، والمحتجين ضدها، بعين الحيرة وتعمل وحدها على تحاشي دفع فاتورة سياسية باهظة وهي تحاول احتواء الاحتجاجات، مما يكلفها الكثير في مساعيها لتحقيق نجاحات في طريق الإنتقال.
➖ التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوداني لها نصيب في تأجيج المشهد السياسي وقد تؤدي هذه التصريحات إلى بلوغ الشارع لنقطة الصدام وفقدان الأرواح وخسارة وضياع الممتلكات وقد بدأ ذلك يظهر بصورةٍ واضحة في دارفور وكردفان، أما بالنسبة للشارع السياسي السوداني فهناك طيف نخبوي استطاع خداع بعض الشباب وإقناعهم أن في الإستقواء بالأجنبي حلاً، وهو لا يدري أنه بقبوله للتصريحات والتوجيهات الإيحائية الأجنبية إنما يضع أنشوطة التبعية على عنقه وأعناق الأجيال القادمة من بعده، خاصة عندما عندما يصبح الموقف الأجنبي محركًا لخيارات الشارع والحكومة السودانية معًا، وهذا سيبعد الحكومة عن اتخاذ الخيار الوطني الصحيح، حينما تجد نفسها تعمل على تحاشي دفع فاتورة سياسية باهظة وهي تحاول احتواء الإحتجاجات الموجهة عبر البحار، مما يكلفها الكثير في مساعيها لتحقيق الإستقرار الوطني وتجسير الهوة بين الفرقاء السياسيين السودانيين، مما ينذر بزيادث الإحتقان وتكاثر المشاكسات والمماحكات السياسية فبالنسبة للشارع السوداني، فربما قوَّى تلويح واشنطن بالعقوبات وتحذيرات بعض ساسة الدول الغربية المتماهية مع مصالحهم في السودان من عزيمة المحتجين الذين يتمنون هذا المأذق لحكومتهم بأمل أن يكون دافعاً للحكومة لتقديم تنازلات تصب في صالح أجنداتهم وتوجههم الحزبي الضيق بعيداً عن الصالح الوطني العريض.
➖ الغليان في الشارع السياسي السوداني الآن يرافقه غليان آخر لأسباب غير بعيدة عن السياسة ومنها الأزمة الإقتصادية الخانقة والتي ستكون هي أساس الثورة القادمة التي ستقودها الأغلبية الصامتة، ثورة غير متوقعة وتيار جارف يكتسح كل التوقعات ويعيد العقل والحكمة للجميع، فقد أصبحت الغَفْلَةُ سيدة الموقف وهي من السَهْو الذي يعترِي الإنسان نتيجة لقلة التدبر والتّحفّظ، وفي السياسة تعتبر الغَفْلَةُ من عدم الوعي.
➖ نحن نصعد نحو نقطة التحول – الذروة – وهي تعتبر أعلى نقطة توتر دْراماتيكيَّة في الأحداث الناجمة منذ اعتصام 16 أكتوبر ومواكب 21 أكتوبر، وإجراءات الخامس والعشرون من ذات الشهر، وسيكون من نتائجها بلوغ الوقت المناسب الذي تبدأ فيه الأحداث نفسها بتقديم الحلول بالطريقة الصعبة (Hard Way).