الإعلام والجيش .. للمهنية وجه آخر ..?!!
كالعادة في كل صباح أتابع برامج إذاعات ( الإف .. أم ) وأتجول بمؤشر الراديو من إذاعة لأخري وما أكثرها وبكل أسف كثير من هذه الإذاعات تقدم مضمون ومحتوي إعلامي عبارة عن تشوهات وجدانية للشعب السوداني أكثر منها مساهمات نوعية ومعرفية ومعلوماتية .. كثير منها تقدم محتوي إعلامي لا علاقة له بالمهنية ولا الموضوعية بل ( هردبيس وغثاء إعلامي ليس إلا ) ـ صباح اليوم الإثنين إستمعت لبرنامج ( كيف أصبحتو ) علي الإذاعة الرياضية إف ـ إم ( 104) الذي قدمه المعلق الرياضي سيف بركة ـ لاحظ معلق رياضي يقدم برنامج سياسي بحت وخصص الحلقة للإحتفال بالذكري الثالثة لثورة ديسمبر تحت شعار ـ الثورة مستمرة ـ وقال : بالأمس خرج كل الشعب السوداني محتفلا بالذكري الثالثة لثورة ديسمبر المجيدة لم يبعض ولم يتثني أحد عن الخروج .. يتحدث المذيع بطريقة عنترية وهو لم يراع خبرة وتجارب وتخصصات المستعمين في كل المجالات التي يتطرق لها يتحدث وهو لا يفقه أبسط معلومات الحلقة ولا يدري أن تاريخ 19 دييمبر 1955م هو تاريخ عظيم لأهل السودان فيه أعلن إستقلال السودان من داخل البرلمان ولم يكلف المعلق الرياضي نفسه لإستذكار التاريخ للتأكد من المعلومات الموثقة عن الذكري والتاريخ السياسي الوطني .. المعلق الرياضي سيف بركة دخل الإستديو وفي ذهنه ثورة ديسمبر المجيدة وشعاراتها عن الحرية والسلام والسلام والعدالة والمدنية دون أن يراجع وهو يعد ويحضر للحلقة السياسية المهمة ـ لم يراجع ماذا تحقق من هذه الشعارات خلال فترة الثلاثة سنوات الماضية حتي يطرح علي ضيوفه أسئلة تعبر عن نبض الشارع والمشاكل التي تسببت في تعطيل الفترة الإنتقالية خلال المدة الماضية .. واضح أنه دخل الإستديو بأسئلة خارجية معلبة دفعت بها جهات سياسية هدفها البحث عن حاضنة سياسية تحتوي حراك الشباب وهي تقود حملة إعلامية وصحفية بهذا الخصوص لتثبيت هذا الحق .. وعلي شقاوته فتح المذيع هواتف الإذاعة لتلقي مكالمات عشوائية فأول متصلة كانت ( أم علي ) من الخرطوم وقد لقنته درسا في المهنية الاعلامية والتاريخ الوطني عندما لاحقته بأسئلة صعبة وهي تقول له لماذا أنتم في الاعلام تختزلون كل مجاهدات جدودنا وتاريخ إعلان إستقلال الوطن من داخل البرلمان و الذي يصادف هذا التاريخ تختزلونه في ثورة ديسمبر التي لم تحقق شيئا من شعاراتها في السلام والحرية والعدالة ..? حاول المعلق الرياضي يقاطعها بطريقته العشوائية في مقاطعة ضيوفه فألقمته حجرا فقالت له لماذا تحشدون الاعلام لتعبئة الشباب حتي يضيعوا جهدهم في الإحتجاجات ويقدمون أنفسهم ضحايا ويموتون ونحن كل يوم نفقد شاب مدخر للمستقبل ولماذا تدفعونهم نحو ضياع زمن الوطن في الخراب والدمار ولا تحرضونهم نحو الانتاج وما يحقق طموحاتهم وينفع البلد ..?!! ـ قاطعها ثاني : نحن نريد الشارع يستمر ويسترد الثورة التي سلبت ونريد نبض الشارع يصل للمسؤولين حتي تحقق الثورة أهدافها .. سألته : أين الحكومة التي تريدها أن تسمع كلامك وماهي أهداف المظاهرات الحالية ..? قال لها : أهدافها الحرية .. ونريد البرهان يسمعنا .. !! فسخرت منه ثم سألها مرة أخري بسطحية : أمبارح طلعتي في المواكب ولا ما طلعتي .. ?!! ردت عليه بأنها إمرأة كبيرة في السن ولا تقوي علي الخروج لكنها تراغب المشهد السوداني والإعلامي ودفعت عليه بجملة ملاحظات مهنية فشل الرد عليها .. عاد وقال لها : الثورة ورثت ورثة ثقيلة منذ ثلاثين عاما لازم يستمر الشباب في ثورتهم .. ثم كان الإتصال الهاتفي الثاني من (مزن) .. والتي قالت له مباشرة : الثورة لم تعط الشعب حقه في السلام والحرية والعدالة والثورة ضيعت حقوق الشعب في الحياة ولا يوجد ما يبرر إستمرارها في ظل هذا الخراب .. لا حرية .. لا سلام .. لا عدالة .. ثم طرحت عليه سؤال : ماذا تعني بالعدالة ..? وماذا يعني السلام ..? ونحن لقمة العيش غلبتنا وتجوا تقولوا لينا الثورة مستمرة .. ونحن ما قادرين نأكل وما قادرين نعيش ثلاثة سنوات ولم نحصل علي لقمة عيش كريمة وهذه هي الاساس الذي خرج الشعب من أجله ولم نحصل عليه والثورة والمواكب ماهي الا مزيد من الخراب والدمار والحريق وزيادة في المجاعة والضنك .. كان تبرير المعلق الرياضي .. الثورة مستمرة والتصحيح مستمر .. !!وركز ليها بطريقة بهلوانية في عبارة ( الحرية ) .. وبعد هذه المكالمات الهاتفية التي يبدو أنها لم تروق للمعلق الرياضي والجهات التي تقف خلف الحلقة .. عمل فاصل بأغنية ثورية : ثم عاود البرنامج لكن هذه المرة أغلق باب مكالمات الجمهور العشوائية المباشرة وإستقبل إتصال هاتفي نوعي مبرمج قامت به الإذاعة مع محامية إسمها ( حنان الشيخ) سالمها بإسمها من البداية واضح أنها سياسية ومنتمية لأحدي أحزاب الحرية والتغيير وإستغلت جهل المذيع والفرصة المقصودة والمخصصة للهجوم علي البرهان والجيش وإتهمت الجيش بصورة مباشرة بتخريب الفترة الإنتقالية والإستثمار في المواطن وبدون أي مناسبة حشرت شركات الجيش الإستثمارية وقالت نحن ما عايزين الجيش يتاجر و يمارس سياسة نحن عايزين الجيش تكون مهمته الأمن و الحراسة ويرجع لينا حلايب ثم ركزت حنان علي ضرورة إستمرار الشباب في الثورة حتي تتحق الحكومة المدنية الكاملة وذكرت أن هؤلاء الشباب الذين يسخر منهم البعض قد أسقطوا نظام حكم إستمر ثلاثين عاما وهم قادرون علي إسقاط الحكم العسكري لو ما اليوم غد وقطعت بأن مظاهرات أمس رسالتها وصلت للبرهان ولم تشر لا من قريب ولا من بعيد الي عبدالله حمدوك كجزء أساسي في الفشل والمعني بالإسقاط مما يعني أن الحلقة والمحامية مصممين علي إدانة الجيش وتشويه صورته بتعمد مع سبق الإصرار والترصد .. السؤال الجوهري هنا ما هي علاقة المعلق الرياضي بتقديم البرامج السياسية .. وماهي علاقة الإذاعات المتخصصة للرياضة وغيرها بطرح الأسئلة السياسية ..?! للعلم هذه الإذاعات هي الاكثر إستماعا وجماهيرية وإن غياب الرقابة المهنية والتخصصية وعدم إلتزامها وإلزامها بالمهام والوظائف التي بموجبها تم التصديق للمؤسسة الاعلامية والصحفية بمزاولة نشاطها المهني يجعل كل هذه الفوضي والتشوهات في الرسالة الاعلامية التي بسببها تندلع الحروب القبلية ومثل هذه الرسالة الاعلامية تسهم مع غيرها من أخطاء منارسة بأن تجعل الديمقراطية ما تزال بعيدة المنال في السودان حتي بعد ثورة ديسمبر 2019م والتي طرحت شعاراتها التحول الديمقراطي والثورة نفسها أبعد ما تكون عن الديمقراطية والعدالة .. لكن السؤال المهم أيضا وفي ظل التحولات الداخلية الكبيرة والأحداث الإقليمية والدولية الجسام وتأثيراتها علي بلادنا وفي ظل الفوضي التي عمت كل شئ في بلادنا هل مؤسسات الدولة .. الأجهزة العسكرية ووزارة الثقافة والإعلام ومجلس الصحافة يراغبون بكفاءة مضمون المحتوي الذي تطرحه هذه المؤسسات الاعلامية في برامجها اليومية خاصة إذاعات ( الإف .. إم ) التي بعض المشتغلين بها لديهم حس وطني مضمحل ومحدود جدا وكذلك الاعلام الخارجي ..?! هل مؤسسات الدولة تعمل وتعاير ما يصدر من محتوي مع المسموح به ومع ما يتطلبه وضع بلادنا وما يمكن أن يقدمه الإعلام من أدوار ومهام من أجل الإستقرار والأمن والسلام في كل ربوع الوطن ..?!!