لقد تابعت علي شاشات القنوات الفضائية معظم مداخلات وتحليلات قادة الأحزاب السياسية السودانية وبعض المحللين والخبراء وكذلك الزملاء الصحفيين للأحداث والإحتجاجات في السودان تأسيسا علي إطروحات لجان المقاومة وتسيدها للمشهد السياسي الراهن المرتبك والتائه في معظم أحواله وإستغربت جدا لمعظم المداخلات التي تطالب لجان المقاومة كجهة محايدة ومؤهلة أخلاقيا علي حد تعبيرهم بإنتاج المشروع الوطني الذي يمكن أن يخرج السودان من عنق الزجاجة وأزمته الحالية وإستشراف المستقبل .. وإندهشت أكثر لرؤية سياسي مخضرم مثل محمد بدرالدين الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي الذي تحدث لقناة الحدث وعندما سأله المذيع عن رؤيته للحل تأسيسا علي ما يحدث في السودان فقال : أن لجان المقاومة اليوم قد صنعت واقعا جديدا وعلي الجميع أن يستجيبوا له ويتعاملوا معه ..!! قالها هكذا دون ان يفصل حول كيفية الاستجابة وسقفها وحدودها .. قالها وكلنا يعلم أنه ليس هناك أي واقع جديد قد تشكل وإنما الحال ياهو نفس الحال مظاهرات تخرج والثوار يحضرون لساحة القصر ثم ينصرفون بلا نتائج .. ومع كل التقدير لجهد الشباب الثوار وإخلاصهم للثورة وغبنهم علي سرقة مكتسباتهم الثورية وسعيهم الدؤوب علي إستردادها إلا أنني حزين علي إستغلالهم من قبل إنتهازي النادي السياسي السودان الذي إذا أعملنا فيه مجهر الفحص الدقيق لنجد النتيجة أن فايروس الحزب الشيوعي وكتلة اليسار متسيد المشهد منذ قرارات 25 إكتوبر فقد أعاد الشيوعي نفس تجربة تجمع المهنيين عام 2018م الذي ظهر للناس وقتها جسما ثوريا مهنيا مستقلا لكنه بعد نجاح الثورة ظهر علي حقيقته بأنه واجهة حزبية لقوي اليسار وتحديدا الشيوعي والبعث .. الآن الحزب الشيوعي خرج من الحكومة وقوي الحرية والتغيير منذ مدة حتي يتفرغ لهذه المهمة الخفية وهو الذي مرر للشباب فكرة أن الثورة هي في أصلها ثورة جيل علي جيل وبهذا يريد التخلص من الرموز السياسية التقليدية وينفرد هو بشبابهم مستفيدا من قدرة كادره علي إدارة ردة الفعل الجماهيرية علي قرارات 25 إكتوبر وتجييش لجان المقاومة عبر حملة البناء القاعدي لخدمة خطه السياسي العام القائم علي عدم تخوين حمدوك بشكل مباشر والإكتفاء بتخوين قيادات المجلس العسكري وعدم الحديث عن الجيش كمؤسسة لتحييده وتركيز الضرب علي قيادته العليا وقيادة الدعم السريع وإستخدام خبثه السياسي بترك مهمة الهجوم علي عبدالله حمدوك لقوي الحرية والتغيير وأحزابها لمزيد من إبعاد الشقة بين حمدوك وقوي الحرية والتغيير ويتواصل هو سرا وعلنا مع حمدوك .. إن حالة التوهان والثوار يصلون القصر ثم يعودون بلا نتائج سببها أنهم لا يملكون مشروعا للتغيير وأن حالة القيادة بدون عنوان وبلا مشروع هذه واضح أنها خظة مقصودة من الحزب الشيوعي والاعتماد في المظاهرات علي المشاهد الاعلامية المصنوعة المتمثلة في المواجهات مع الشرطة وصورة الدماء والقتل والحديث عن الاغتصاب لصناعة احداث وحشد اكبر قدر من التعاطف والتأييد الدولي اما اليسار بشكل عام والشيوعي تحديدا فهو يمتلك مشروع وهو ابعاد الاسلام من كافة أوجه الحياة وإلغاء الدولة السودانية القديمة بكل تاريخها وموروثها الإجتماعي والثقافي وإستبدالها بمشروع السودان الجديد لكنه لا يستطيع طرح هذا المشروع العلماني بوضوح حتي لا يصطدم بالكتلة الحرجة المتمثلة في الطرق الصوفية والادارات الاهلية والرموز الدينية الاخري ولذلك يطرحه عبر القوي الناعمة الاعلام والمنظمات .. ولذلك أي حديث ومطالبة للجان المقاومة بطرح فكرة مائدة دستورية مستديرة والتواصل مع القوي السياسية والمدنية بإعتبار أن لجان المقاومة طرف مستقل فهذا هو عين الذي يخطط له الحزب الشيوعي وكتلة اليسار التي باتت كيانات سياسية متعددة الروافد السياسية والثقافية والعسكرية فالشيوعي مشارك من باب حركات التمرد ومن باب منظمات المجتمع المدني والواجهات الثقافية والمهنية كما أنه يمكن ان يدخل عبر المبادرات الاممية والاقليمية والدولية .. السؤال البديهي والتقليدي ماهي الخبرة السياسية التراكمية للجان المقاومة في قيادة الدولة والتخطيط لمستقبلها ..حتي تطالبها الاحزاب برؤية وطنية يتوافق عليها الجميع ..? هذه اللجان مسيسة ولا يمكن أن نستشف من العناونين الرنانة مثل تجمع المهنيين الذين إتبعه الشباب لمدة عامين يأتمرون بإمرته ويتنفذه جداوله الثورية كانوا يظنونه نبيا لكنه طلع شيطان رجيم .. إن من الخطل والتجهيل السياسي أن يوافق الشعب السوداني علي رؤي زعامات الإستدراك السياسي وفشلة النادي السياسي السوداني الذين يهرولون خلف الثوار اليوم ويطالبون لجان المقاومة بتبني رؤي إجتماعية وإقتصادية وسياسية لإخراج البلاد من أزمتها فلجان المقاومة يمكن أن يكونوا جزءا من آلية وطنية شاملة لكنهم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون الأقدر في ما يجري من تفاعلات ثورية معلنة وخفية وهي كلها أحداث تقف خلفها عقول مدبرة بعضها من كوادر أحزاب سياسية نخترقها اليسار تخشي التصنيف والهجوم عليها وبعضها عقول مخابرات عالمية واقليمية ومحلية .. إن هذا الوضع المرتبك في السودان من يسير دولاب الحركة فيه شخصات وايادي لديها مصالح وهي التي تحركه وتحرسه ولن تسمح لأي جهة غيرها بقطف ثماره .. وإن من ينصت الي صوت المتظاهرين السودانيين منذ العام 2018م وحتي الوثبة الحالية من إحتجاجاتهم لا يشك في انه استمع بجلاء الي الشعارات التي هي كلمة السر التي تسر بين الجموع مثل الشعارات والعلامات المأسونية .. اي كوز ندوسو دوس .. الردة مستحيلة والشعب أقوي .. كلها شعارات تكشف ان قلة اليسار هي التي تسيطر علي المشهد وتحتكره لنفسها وتسرق جهود الشباب الثوار وتتاجر بدمائهم وأرواحهم وتتسلق السلطة علي ظهورهم ولذلك لا حل إلا بإسترجاع المسروق إلي أصحابه والإجتهاد في توعية الشباب المحتجين ونلوح هنا بأن الاحزاب السياسية علي اهميتها وهي الاقدر علي صناعة البديل الديمقراطي الا أن دورها وممارساتها في الثورة كانت رماديا وهذا ما جعل الحزب الشيوعي يتمكن من تعبئة الشباب ضدهم ويفسر اي ظهور للعناصر السياسية في المواكب بانه ظهور إنتهازي ونشاط ترويجي لإستقلال المناسبة والمنبر للتعريف بنفسها وتصيد ما تنجح في حصده من أتباع جدد والحزب الشيوعي وحده من يعد نشاطه المدني الثوري عاملا فعالا في تعبئة الشعور الثوري الوطني ضد السلطة العسكرية الغشوم وهو الذي يهب ثورة الشباب موقدا وهو الذي يعمل علي حفظها من المكائد بينما الآخرين باعوها ولم يكونوا مشاركين نشطين بل يمنوا انفسهم بمغنم الكراسي ويطالبهم بالتطهير من رزائل المشاركة في الفترة الانتقالية.. إن المخرج الوحيد هو طرح مشروع وطني مفضل للجماهير ومرض للجميع لا سيما الكتلة الشبابية التي تسيطر علي الشارع الآن وهي تقود النضال وان يبرز تيار سياسي وطني محدث يسعي نحو مد جسور التواصل التي تربط المشروع الوطني بالقيم السودانية الكبري المركوزة في الشخصية السودانية التي تشبع بها السودانيون في السياق الثقافي والتاريخي العام الممتد عبر الدهور ويحمله ويتوكأ عليه شخصيات مقبولة إجتماعيا وسياسيا من طينة هذا الوطن الطيب ويتغنوا بهذا المشروع الذي يحمل علامات خير لصالح الوطن والسودانيون جميعا بلا إستثناء ..