في كل مرة تعود للسطح بلادنا إلي الجدل ذاته تفكيك المنظومة العسكرية ومرات هيكلتها وأحيانا عودتها للثكنات والإبتعاد عن السلطة .. إن المطالب والسيناريوهات والشعارات متعددة لكن الهدف واحد وهو إضعاف القدرات العسكرية للسودان كدولة تحت طائلة الحديث عن التحكم وإحجام حدود تعامل الأجهزة العسكرية مع مؤسسات الدولة والمجتمع وتنظيم الحياة العامة .. إن حملة بعض القوي السياسية وتحديدا اليسار والبقية كومبارس علي المؤسسات العسكرية الوطنية أحيانا تأخذ مسارا صادما مثل حمل الثوار الشباب وإستغلال حماسهم إلي المواجهة والمصادمة مع هذه الأجهزة والدخول في حرب الكر والفر بينهم وصناعة مشاهد إعلامية موجعة مثل مشهد الشرطة منسحبة من محيط القصر الجمهوري وتصويرها بأنها هاربة من بطش الشباب والتفاخر بذلك وعرض عناصر الجيش متراصين لحماية القصر الجمهوري وفق المهام الموكلة اليهم كأنهم يحمون الثوار ويرتبون لهم أمر تأمينهم من قوات عسكرية أخري متربصة بهم ويظهر غضب الثوار علي البوليس وهم يهرولون خلف مركبات الشرطة وفي المقابل حميمتهم المصنوعة مع الجيش .. هذا التوظيف الخاطئ لمثل هذه المشاهد هدفه في المقام الأول كسر وحدة وتماسك هذه الأجهزة حتي لا يكون هناك تناغم في أدائها وهذا الوضع هو الأخطر علي الإطلاق إذا وصل اليه الحال وهو الأقرب لخطر المواجهة بين القوات كما حدث في أبريل 2019م عندنا دخل الثوار محيط القيادة وحدث الإعتصام وتنازعت القوات فيما بينها وحدث شبه إنقسام ما بين منحاز ومتعاطف مع الثوار وما بين متمسك بمهنيته وتنفيذ تعليماته العسكرية ومتغلب علي عواطفه الشخصية وأظنكم تذكرون قصص وروايات كثيرة مثل حكاية حامد الجامد ومخالفته للتعليمات العليا وتمرده وغيرها من القصص التي كانت تخالف عرف وقوانيين ولوائح المؤسسات العسكرية .. في ضوء التحديات الداخلية والخارجية التي يعانيها السودان لابد من وحدة قيادة و قرارات كل المؤسسات العسكرية وضبط ولايتها ودورها في قطاع الأمن والدفاع وحسم الفوضي التي تسعي لها أطراف سياسية داخلية وخارجية متربصة بالسودان كوطن وتعمل علي توظيف الفرص وتستغل الخلافات والصراعات السياسية الداخلية وهي تحرك مشكلات الصراع علي السلطة فهناك جهات ومخابرات خارجية تدعم أطراف مدنية ومسلحة وتوفر الملجأ لقادتهم وتحرضهم علي عصيان السلطة الوطنية وتطالب بحماية المظاهرات والهدف الرئيسي من كل ذلك زعزعة إستقرار السودان وهو دولة ذات سيادة علي مستوي إفريقيا والعالم والهدف الأكبر هو تقوية الإتجاهات المضادة لكل المصالح الوطنية ومصالح دول المحاور العالمية الصديقة للسودان ولذلك تترافق سياسة الغربيين والسياسيين المحليين في إستثمار النزاعات الاهلية والاقليمية في السودان وفي نفس الوقت تعمل علي إضعاف المؤسسات العسكرية حتي لا تقوم بوظائفها بغرض توسيع دائرة الخلافات حتي داخل المكون العسكري الواحد في السودان .. وهناك من يتعمد من السياسيين اليساريين تسييس البيئة التي تعمل فيها هذه المؤسسات العسكرية وفصل الجيش والشرطة عن محيطها وإمتدادها الشعبي والجماهيري المدني وربطها بتكتلات سياسية ودمغها بأنها تنفذ أجنداتها والهدف من الترويج لذلك ضرب فكرة وحدة القوات النظامية ومهنيتها والتعمد كذلك تغييب الطابع المؤسساتي علي كل ما يصدر من قيادة المؤسسات العسكرية العليا من توجيهات علي من أنها من صميم عرف هذه المؤسسات المهني لكن المغرضون يظهرونها كأنها قراراتها فردية فوقية وأن هذه المؤسسات فاشلة وغير قادرة علي القيام بمهامها ووظائفها بمهنية وإحترافية تجاه شعبها ويشكك في أدائها ويضعها في خانة العدو الرئيسي للشعب في سبيل البحث عن مبررات لوجود القوات والبعثة الأممية .. وأن أكثر مشهد مؤلم ومؤذي هو محاولات كسر هيبة الشرطة والجيش والمؤسسات العسكرية الاخري فهذا مؤشر خطير للغاية والأخطر أن تستجيب هذه المؤسسات لمخطط تقسيمها وتوزيعها في جذر معزولة تمهيدا لتوطين الخلاف والمصادمة وفي هذه اللحظة سيفلت الأمر واذا فلتت الأوضاع داخل المؤسسات العسكرية المعروفة بالضبط والربط يصبح علي السودان السلام وهذا هو الهدف المحوري المقصود محاصرة وعرقلة الحضور المؤسسي لهذه الأجهزة في أليات وعمل محاصرة بؤر وغرف الفوضي في السودان وأن شل الأجهزة أو تحييدها يعني ضمان أمن الجهات التي تنفذ مخططات التخريب والفوضي في الأحياء وداخل المواكب بمررات الثورة مستمرة والمطالب التي تتنوع كل يوم وهي خطوات كلها تمهيد الطريق لمحور الشر للتحكم والسيطرة علي السودان كنقطة عبور حيوي لكل أهداف ومصالح أمريكا وأوربا في المنطقة وإن إسلوب دعم الفوضي وإنهاك الشعوب من الداخل هو إسلوب الحرب الجديدة التي إستعيض عنها بدلا عن المواجهة التي تضرر منها الغربيين في تجاربهم في الشرق الاوسط وأفريقيا .. نختم ونحن مع إقتراب إنتهاء العام الميلادي إعتاد الإعلاميون وبعض السياسيين إستعراض حوادث العام المنصرم لاغراض التقييم وجرد الحسابات وإستشراف المستقبل أخشي أن تكون حوادث إعتداءات المواطنين علي مقار وممتلكات الشرطة هي الأبرز في جرد حسابات الربح والخسارة الوطنية دون أن يسأل النخب والاعلاميون والمراقبين سؤال المستقبل ما كسبنا كوطن ثلاثة سنوات من الفوضي ..? ونبدأ الإجابة علي سؤال النهوض المستقبلي لبلادنا .. الأوفق لنا كسودانيين تهمنا مصالح وطنا أن نعمل جميعا علي تقوية مؤسساتنا العسكرية الوطنية ونحفزها علي التهيوء والإستعداد من أجل العمل وبذل الجهد في حماية مقدرات وطنا وممتلكات شعبه المادية والبشرية وأن نعتمد المفهوم الوطني وسياسة المشاركة والتحالف الإستراتيجي الشعبي العسكري وأن نطور فكرنا السياسي والإستراتيجي وأن نعطي أولوية لإستنفار قدراتنا كافة لأجل الوطن والمحافظة علي أهميته الحيوية ومصالحه الإقتصادية والسياسية الكلية بدلا من عزل هذه الأجيال عن محيط مؤسساتها وصناعة وتعميق الجفوة والعداوة بينها وهذه المؤسسات وقيادة حملات التشويه والتعرية التدريجية وجعل السودان منطقة أزمات حية وتوترات متواصلة وهو يتنقل من أزمة إلي أخري والنتيجة تراجع مستمر وأضرار بمصالح أمنه القومي بكافة أشكاله .. وتأثير عميق في مكانة السودان الدولية وتعطيل لسياساته المحلية ..