أو الموت بلا معنى..
وهل هناك موتٌ بلا معنى؟…بلا هدف؟…بلا غاية..
نعم ؛ وهو الموت العبثي..
وذلك من جهة الذي يسترخص روحه بلا قضية…فيموت موتاً عبثاً..
وقاتله الحقيقي هو من (عبث) بروحه هذه..
هو من عبث بها – واسترخصها – فدفعه إلى أن يموت موتاً عبثياً..
هو من له هدف…بعكس ضحيته..
رغم إن هدفه هذا هو نفسه عبثيٌّ…بل قد يكون قمة العبث..
وكمثال على ذلك أدولف هتلر..
فهو قد دفع بالملايين من شعبه إلى حيث الموت بلا هدف…بلا سبب..
إلا إن كانت شهوة حكم العالم تُعد هدفاً..
فهتلر هو القاتل الحقيقي لهم…لا جيوش الحلفاء..
فقد استخف قومه – واسترخص أرواحهم – فأطاعوه كما القطيع..
أو كأنهم انتحروا…قتلوا أنفسهم..
ومن يلغي عقله إلى حد الموت لا يعفيه هذا من جريرة قتل النفس..
من يخضع إلى (غسيل مخ) يضحى بعده بلا مخ..
وقد ضربنا مثلاً من قبل بالحيتان التي تتبع قائدها بلا عقل…بلا مخ..
تتبعه حتى وهو ينتحر على اليابسة..
فيكون انتحاراً جماعياً بلا هدف…بلا سبب…بلا غاية..
وثورة ديسمبر – عندنا هنا – كانت من أجل هدفٍ سامٍ…وغاية نبيلة..
ومن ثم فإن الموت فيهاكان نبيلاً أيضاً…وسامياً..
والغاية هي إسقاط رئيسٍ باطشٍ…ظالمٍ…قاتلٍ…يسترخص أرواح شعبه..
وكان هتافاً نبيلاً الذي نصه (تسقط بس)..
وقبل السقوط بأيام كنت في (ضيافة) ضابط أمنٍ اسمه الرسمي محمد عثمان..
أما اسمه الوسمي فآدم..
وأقول في (ضيافة) لأن تعامله معي – وآخرين – كان راقياً جداً..
وسألني : ماذا تنقم من البشير إلى هذا الحد؟..
ويصح لغةً أن نقول (تنقم على) كذلك..
فأجبت بأن أشد ما أنقم منه استرخاصه القتل…طوال سنوات حكمه..
ثم لا يطرف له جفنٌ ديني…ولا إنساني..
فزوال الدنيا – وفي رواية الكعبة – أهون عند الله من سفك دمٍ بغير حق..
والكرسي ليس بأهم من الروح..
ولا حتى إدعاء غايةٍ نبيلة عبر الجلوس على الكرسي هذا تتمثل في الدين..
بمعنى إقامة دين الله…وتحكيم شرعه..
والآن هنالك قتلٌ في الشوارع….كلما خرج الشباب في تظاهرة..
تظاهرة ضد من؟…وضد ماذا؟..
هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة منطقية – لا عاطفية – عنه..
وذلك حتى نصل إلى تصنيف لهذه المسيرات..
هل هي من أجل غايةٍ نبيلة؟…ومن ثم فإن الموت في سبيلها نبيلٌ بدوره؟..
أم إنها بلا غاية…ولا هدف…ولا سبب؟..
قطعاً هي بلا هدف ؛ بدليل إنها تقتصر على مطالبةٍ بتسليم السلطة للمدنيين..
طيب من هم المدنيون هؤلاء؟..
هل القلة التي كانت تحكم قبلاً وليس من أولوياتها أبسط أهداف الثورة؟..
لا برلمان…لا انتخابات…لا مفوضيات..
بل ولا حتى القصاص لدماء الشهداء ؛ واسألوا لجنة أديب…وجثث الثلاجات..
أم مدنيون غيرهم لا توافق بينهم؟..
وفضلاً عن ذلك ما من فئةٍ منهم اكتسبت شرعية تؤهلها لاستلام السلطة..
أم يتم التسليم لمن يثورون في الشارع الآن؟..
وإن افترضنا أن هذا هو الهدف المعني ؛ فمن منهم الذي يتسلم الحكم؟..
وهم – إلى هذه اللحظة – ليس لهم (عنوان)..
أو ربما كانت لهم عناوين خفية تقود إلى من كانوا اختطفوا الثورة أنفسهم..
ثم انحرفوا بها نحو دكتاتورية مدنية..
وإلى أن نتوافق على إجابات منطقية يبقى حراك الشارع الحالي بلا معنى..
ولا هدف له…ولا غاية…ولا سبب..
فإن كان هنالك من يحركون الشارع من وراء ستار فهم قاتلون أيضاً..
ومسترخصون للأرواح لأهدافٍ ذاتية…عبثية..
تماماً كما هتلر – وكما البشير – لا تعني لهم أرواح البشر شيئا..
هم مسؤولون عن دماء هؤلاء الضحايا..
أما إن كان الشباب يثورون من تلقاء أنفسهم فهي ثورة عبثية بلا هدف..
ويموتون موتاً عبثياً كانتحار الحيتان..
وأياً كان الأمر فإن ذلك لا يعفي من بأيديهم السلطة الآن من جريرة القتل..
فهم قاتلون ؛ متى ما كان بمقدورهم تجنب القتل هذا..
متى ما كان كافياً غاز الدموع…وخراطيم المياه…وقنابل الصوت..
فإن لم يكفِ كل هذا فطلقات المطاط تكفي..
أما الرصاص الحي فلا داعي له ؛ سيما بعد ظهور متاجرين بالموت..
بعد ظهور من يفرحون به فرحاً شديداً..
وتكاد تصيبهم حسرةٌ إن انقضت تظاهرة بلا موتٍ عبثي لمتظاهرٍ واحد..
إنهم عشاق السلطة بأي ثمن..
ولو كان الثمن أرواح أبرياء…فهي عندهم بلا ثمن..
هي محض أرقام في دفاتر حساباتٍ سياسية ذات عنوان جانبي:
عبثُ الموت !!.