Site icon اسفير نيوز

د. عبدالمجيد محمد يحي يكتب..  السودان بين الصراع الجيوبوليتكي ومعارك النخب السياسية..!! 

ارى خلف الرماد وميض نار

فأخشى أن يكون لها ضرام

فان النار بالعودين تزكى

و إن الحرب اولها كلام

 

بالنظر للجدل والسجال الدائر بين المكونات السياسية السودانية (يمين، وسط و يسار) ، يلاحظ أنهم منخرطون في سلسلة من حلقات الصراع، و(الجدل البيزنطي) و محاولة تبرير و تجريم الأفعال ، و تناسوا بصورة مخططة أو بلا وعي المعركة الحقيقية التي يجب أن تقودها القوى و الأحزاب السياسية لإنفاذ التحول الديمقراطي، لا سيما و أن كل مجموعة تدعي أو تعتقد من منظورها الفكري او الايديولوجي أنها الأصلح لجلب الخير و النمو و الازدهار و استقرار للبلد..!!

 

الحقيقة الماثلة تعكس أن معركة التجريم و أضعاف أو اقصاء الآخر تبدو معركة جانبية في الوقت الحاضر على وجه الخصوص، في ظل التكالب الاقليمي و الدولي للفوز بغنيمة الموارد السودانية الاقتصادية و الجغرافية بأي ثمن حتى و إن أدى ذلك لتدهور الأمن و الاستقرار. إن استغلال فرصة التناحر الداخلي هي لا شك أفضل و أسهل و أقصر الطرق لوصول أي جهة خارجية لمبتغاها و تنفيذ أجندتها مستفيدة من الكيد السياسي ضد الآخر.. السودان أضحى مترنحاًبين مطرقة الغرب الرأسمالي و سندان الشرق الشيوعي او النيولبرالي..!!

 

فالغرب يمتلك القوة الاقتصادية و المنظمات الدولية مسنودة بالدعم السخي الذي يحتاجة السودان للتنفس من الخنق الاقتصادي، و الشرق يمتلك الدعم الفني و العسكري و الدبلوماسي الذي يحتاجه العسكريون لإجهاض القرارات و التدخلات التي يمكن ان تقرها المؤسسات الدولية و مجلس الأمن الدولي ضده..!!

 

القراءات المتٱنية للواقع السياسي تشير إلى أن الشارع مع دفعه الذاتي من الشباب لانجاز شعارات الثورة المجيدة، يتحرك بتشجيع من المحور الاقليمي (المدعوم غربيا سرا)، والمحور الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية و اسرائيل الدول الغربية (جهرا) عبر استراتيجية احتواء قوى الثورة الفاعلة أو بالأحرى قيادات الحرية و التغيير الشبابية (لجان المقاومة) و السياسية من جهة، لضمان اتساع الهوة بين المكون المدني و العسكري ، و احتواء أو الضغط على المكون العسكري من جهة أخرى، و من ثم الابتزاز لتنفيذ الاجندة الخاصة بدور امريكي أوربي اكبر في الشان السوداني مقابل اضعاف الدور الروسي الصيني على وجه الخصوص..!!

 

تشير الدلائل الى أن دول المحور الاقليمي، تم تكليفها بتطبيق استراتيجية الاحتواء مقابل استمرار مصالحها المعروفة، لضمان عدم تهور قيادات الجيش و الوقوع في أحضان الروس و الصينيين في اطار السعي لتخفيف الضغوط الداخلية و الخارجية. كما يبدو أن عملية الضغط باتت تأتي أُكلها إذ يشير الى ذلك زيارة الوفد الاسرائيلي و الامريكي من بعده لوضع اللمسات الاخيرة للاتفاقات السرية، ووضع الضمانات اللازمة لتحقيق الاجندة المطلوبة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن قانون مكافحة الارهاب الذي وردت الاشارة اليه مؤخرا ضمن أولويات المرحلة المقبلة للفترة الانتقالية، في تقديري لا يقصد به كبح جماح الكيانات السياسية المناهضة لعملية التطبيع مع إسرائيل من الوسط و اليسار و الذين ينشطون ضد تغول السلطة العسكرية حسبما يرى البعض، و إنما ايضا لقطع الطريق أمام أي محاولة للاسلاميين من التفكير في مناهضهة التطبيع او المصالح الامريكية التي ستخرج للعلن. اضافة الى منع الاسلاميين من لعب اي دور سياسي خلال الفترة الانتقالية و ربما بعدها (اقصد بذلك فترة الانتخابات). مقابل ذلك تسير الخطة منطقيا في اتجاه تحفيز العسكريين عبر دعم و إعداد العدة لتقديم أحد جنرالات الجيش و ربما البرهان نفسه للفوز بالانتخابات المزمع تنظيمها بنهاية الفترة الانتقالية.. فالحرية و التغيير وقعت في فخ المعارك الجانبية بدلا من إسراع الخطى في تنفيذ متطلبات الاستقرار و الانتقال. كما أن الاسلاميين قد أخطأوا في قراءتهم لديناميات الواقع السياسي حين وضعوا ثقتهم في الجيش و دعموا الانقلاب أو الاجراءات العسكرية الأخيرة من باب الانتقام من قحت و لجنة التفكيك،، و لكن يبدو أن المكون العسكري أمامه شروط قاسية و صارمة من الدول الراعية لعملية الانتقال، و مجبر على ان لا يترك اي ثغرة يلج منها الاسلاميون أو اليسار المتطرف لسدة الحكم بالشرعية الثورية او الانتخابية..!!

 

يرى الكثيرون أن الغرب الرأسمالي الطفيلي ينظر للاسلام السياسي عدوا مثله مثل الشيوعية والاشتراكية البعثية ، فهل يخرج من بين السودانيين من يحسن قراءة المشهد السياسي و ينظر الى مآلات الأمور برؤية موضوعية براغماتية ويتعامل مع الواقع من زاوية العقل الذي اهتدت له ملكة سبأ حين ردت على قومها قائلة ” إن الملوك اذا دخلوا قرية افسدوها و جعلوا اعزة اهلها اذلة و كذلك يفعلون”، و يجنب السودان مآلات التشظي و التناحر قبل ان يفوت الأوان و يجد الجميع انفسهم امام واقع لا فكاك منه٠٠فهل ستدرك القوى السياسية هذه التحديات الجيوبوليتكية أم أنها ستظل في صراعها الجانبي؟!!

Exit mobile version