عزمي عبدالرازق يكتب.. حكايتي مع السر قدور وبناته
أول مرة رأيت فيها السر قدور كفاحاً كان ذلك في القاهرة، قبل نحو عشرة أعوام تقريباً، ثمّة شقّة عتيقة مسكونة بالصور والتواريخ والألق العالق، كان يجلس كالطاؤوس وسط الرياض نشوان، ويمسك بعصا من العاج، ينطلق منه الكلام عذباً دفاقاً، وبين فينة وأخراها يطلق ضحكة مجلجلة، ضحكته الشهيرة.
اعتليت (الميترو) وهبطت في ميدان (لازوغلي)، كانت الدولة المصرية لا تزال ثائرة في قبضة الإخوان واللحى مشرئبة ناحية السماء، صوت أم كلثوم يتصاعد آهة إثر آهة من وراء المقهى المجاور، العمارات الشاهقة تحجب ذؤابات الضوء. صراخ الباعة وضجيج المحروسة في الأصيل والنساء ببناطلين الجينز والضفائر المحجوبة؛ سمت قديم. المكتب تعلوه لافتة صحيفة (الخرطوم) وزوار من مختلف الجنسيات والأعمار.
بنات السر قدور من زوجته المصرية شديدات الحفاوة بالجذور من ناحية الأب، دامريات بالفطرة، يجللهن السمار.. بدت لمساتهن بارزة في المكان، القهوة سودانية، طغى على المائدة خليط من الأطعمة والمشروبات السودامصرية، لم تفارقهن الإبتسامة طوال فترة مكوثي بينهم، أذكر أنني سألت قدور في مبتدر ذلك الحوار ماهى أخبار الدواخل؟ فقال لي ببداهته “للدواخل رب يحميها” قلت له أيضاً لمن تشتاق؟ جرد قائمة من مئات الشخصيات البارزة التي رسمت تاريخنا الثقافي والاجتماعي والسياسي، رافقهم مثل مؤرخ الحروب.
سألته متى سيعتزل؟ قال كيف أعتزل الفن وهو حرفتي. وإن كان الرجل اليوم لم يقو على الحضور الرمصاني هذا العام فلديه رصيد هائل وقابل للاجترار، نسأل الله له دوام الصحة والعافية والشفاء، فهو هرمًُ منا وإن هرِم أو لم يهرم.