أذكر أنه وفي إحدى حلقات برنامجه الشهير (أغاني وأغاني) تحدث الراحل السر قدور عن الموت، تحدث عنه بلسان العارفين وعلى ما اذكر إنه استشهد بابيات للعبادي قال فيها (الموت مو بدعة غاية البسوقو وببرو.. والحزن ما جاب لو زولا من قبرو.. الزول في الشدايد أولى يلزم صبرو.. يرجى الكريم مولانا يجبر كسرو ) وذكر أيضا بيت شعر اسنده إلى شاعر قديم قال فيه : (وكل ابن أم وإن طالت إقامته فلا بد يوما على آلة حدباء محمول).. ذكر السر قدور ذلك الحديث وكأنه ينعي نفسه كأنه يصبر أحبائه على فقده؛ كأنه يساعدنا كيف ننعيه؛ كأنه يطلب من المعزين الصبر والاحتساب..!!
لقد كان فقه الموت حاضراً في أدبه وفي أنسه وفي كل جلساته – لاحظت أن كثيرا من أشعاره محتشمة وكان واضحاً جانب الروح والحب الصوفي المرتبط بالله، كان كثيراً ما يشير إلى نصوص القرآن في أشعاره يظهر ذلك حتى حينما يكتب في الغزل ، لاحظت ذلك في قصيدته الشهيرة التي تغزل فيها في ابنته (زينب) فقد ذكر في إحدى ابياتها (أبواتك أصحاب الهمم.. محروسة بنون والقلم ، جاد عليك واهب النعم، خصاك بالزوق والفهم.. الله منك يا زينبو.. )..!!
لقد عاش قدور من أجل الجمال والحسن وعاش حياة محتشدة بالسحر والإبداع ؛ وسعى لإسعاد الناس بما يملك من ثقافة، ثقافة مسخرة لخدمة المجتمع ولاذكاء روحه ولجعل الجمال حاضراً في حياته العامة، وحاول أن يبين للناس أن الإبتسامة هي من تصنع السعادة، لذلك كثيراً ما تجده (يتبسم ضاحكاً ).. والبعض يظن أن ذلك ناتج من قلة جديته لكن الصحيح أنه يريد بث الشعور الإيجابي وأحيانا كثيرة تكون ضحكاته بعد تصويب أو نقد ربما يكون قاسيا إن لم تعقبه ابتسامة..!!
لقد سخر قدور برنامج أغاني وأغاني للتوثيق لأدب هذه الأمة ولموروثها الثقافي فجعل الأجيال تتواصل ؛ ومن وجهة نظر خاصة أرى أن ذلك جعل جيلا كاملا من الفنانين مرتبط بمنظومة القيم السودانية السمحة فقد ردد هؤلاء أغاني الرجولة والحماسة والسؤدد التي كان يغنيها فحول الغناء السوداني، وفي ذلك ربط عميق ما بين الماضي والحاضر ومحاولة جادة لتحصين الوسط الثقافي من الانزلاق نحو الميوعة والانحلال..!!
صفوة القول
أختم بابيات الشاعر ابو نواس التي قال فيها :
اللهم وإن عظمت ذنوبي كثرة فقد علمت أن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمنذا يلوز ويستجير المسلم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعا وخفية ثم إني مسلم
اللهم أنت أعلم بما في النوايا وما تخفي السرائر.. اللهم أنت البر الرحيم غافر الذنب قابل التوب، فتقبل عبدك السر قدور واجعله من أصحاب اليمين وانزله منزلة الصديقين والشهداء والصالحين ببركة هذه الأيام إنك واسع المغفرة، وأنت على ما تشاء قدير.