في كثير من الأحيان تطلب مني بعض الوسائط الإعلامية التعليق على تصريحات يطلقها بعض المسئولين.. فتساورني حيرة شديدة.. هل يقصد المسؤولون ما يقولون أم هو مجرد إلهام شاعري من وحي اللحظة ويزول مع زوالها؟
و الفرق بين التصريحات المقصودة والأخرى العفوية كبير.. كالفرق بين رائد الفضاء آرمسترونج وهويضع قدمه على سطح القمر.. وشاعر يضع القمر في كفه ويقدمه هدية الى المحبوب..
في العالم الراشد الخطاب العام للمسؤول يصنعه خبراء خلف الكواليس.. يدرسون المعطيات والمطلوبات والظروف المحيطة بالوضع ويتحسسون ردود الأفعال ثم بعد ذلك يتولون الإخراج اللفظي وحتى لغة الجسد المطلوبة ودلالات المعنى قبل أن يصعد المسؤول الى المنبر الإعلامي.. وعندما يستغرق المحللون في دراسة الخطاب فهم يعلمون إن كل كلمة وحرف مقصود بدقة ليعبر عن معنى مدروس..
حسناً؛ كثيراً نسمع عبارة (المستشار الاعلامي).. فهل فعلاً يستشار في الخطاب العام للجمهور؟.. و هل له سلطة أدبية أو حقيقية في إبداء رأيه الفني ليعترض على بعض فقرات الخطاب أو يقترح أخرى؟
هل إدارات الإعلام في المؤسسات الحكومية الرفيعة يسند إليها دور (استباقي) في صناعة الخطاب أم أنها فقط مجرد (مرسال) مهمته الاتصال بالوسائط الإعلامية لتنقل الخطاب أو تهتم به؟
للأسف؛ الغالبية الكاسحة من مؤسساتنا رفيعة المستوى لا تعتبر الإعلام أكثر من (كلام والسلام) وغالباً يظن المسؤول الأول أنه (أفهم) من خبراء الإعلام أو حتى مستشاره الإعلامي فيتولى المسؤول توجيه الإخراج الإعلامي لخطابه العام..
في الدول المستنيرة يتولى خبراء الإعلام إخراج الخطاب العام جوهراً ومظهراً .. حتى مظهر وملبس المسؤول هم يتعاملون معه كجزء أصيل من الرسالة الإعلامية المستهدفة..
أستغرب جداً عندما أرى صورة في أجهزة الإعلام الرسمية لاجتماع رسمي رفيع تبدو فيه ملابس المسؤولين كألوان الحديقة.. كل مسؤول يرتدي مزاجه.. رغم إنهم يلتزمون باللبس المحدد عندما يشاركون في حفلات الاستقبال في السفارات والتي تطلب في بطاقة الدعوة الالتزام باللبس الرسمي المحدد..
في تقديري لا يزال غالبية المسؤولين يعاملون الإعلام كخادم لا سيد..