* بينما ظل البرهان يضع العقبات امام التحول المدني الديمقراطي فى السودان ويقتل المعتصمين والمتظاهرين السلميين ويعتقل المئات على امل ان يحقق حلم ابيه برئاسة السودان ويحكم السودان على غرار السسيسي فى مصر، فاته ان هنالك عقبات ضخمة جدا تحول دون ذلك، تتعلق بالبنية الاجتماعية والبيئة السياسية والطبيعة السودانية التى تختلف اختلافا جذريا عن مصر!
* السودانيون ليسوا مثل المصريين، فلقد جبل المصريون منذ قديم الزمان على طاعة رؤسائهم طاعة عمياء على كافة المستويات، من الخفير وحتى الرئيس، فرئيسك فى العمل مهما صغرت وظيفته هو سيدك المطاع، ولا يقتصر ذلك على العمل فقط بل ينعكس على الحياة الاجتماعية للمصريين التى تشهد الكثير من التمايزات حسب العمل او المهنة او الوضع المالى او الانتماء الاسرى للفرد، بينما لا تكاد تلحظ اى نوع من التمايز فى المجتمع السودانى مهما كان مستوى الشخص أو مقدار ثروته او عمله ، رئيسا او خفيرا، وكل شخص هو سيد نفسه فقط، لذلك من الصعب أو المستحيل أن يفرض احد نفسه على الشعب السودانى حاكما مطلقا، كما يفعل الحاكم المصرى الذى يدين له الجميع بالولاء والسمع والطاعة، إما من باب الاحترام او الخوف، بينما ينظر السودانيون الى الرئيس كشخص عادى، وليس هنالك حاكم فرد أو ولاء مطلق للحاكم!
* فضلا عن ان المواطن السوداني متمرد بطبعه، وان الشعب السوداني ثائر بطبعه واكبر دليل على ذلك قيامه بثلاث ثورات كبرى افضت الى تغيير الانظمة الحاكمة، ويقوم بثورة رابعة الان رغم ما يتعرض له من قتل وقمع واعتقالات ولكنه مصمم الى الوصول الى هدفه وتحقيق الانتقال المدنى الديمقراطى معتمدا فى ذلك على ارث ديمقراطى عريق متجذر فيه ومتوارث بين الاجيال حتى التى لم تشهد انظمة حكم ديمقراطية، ولكنها تعشق الديمقراطية وتمارسها على مستويات مختلفة من بينها الجامعات واماكن العمل وحتى الاحياء، وكأنها جينات متوارثة او طبيعة مغروسة فيها، فضلا عن وجود حركة حزبية عريقة وان كانت ضعيفة، ولكن هنالك احزاب قديمة ولها انصار لا يستهان بهم، ولا يمكن بأى حال من الاحوال تجاوزها فى قضية الحكم فى السودان، عكس مصر التى اضمحلت فيها الحركة الحزبية بل ماتت منذ وقت طويل ولم يعد لها وجود يذكر!
* القوات المسلحة فى مصر كتلة واحدة واقصد الجيش، ولها قائد واحد تدين له بالطاعة، بينما هنالك عدة قوات مسلحة فى السودان، تتصارع احيانا وتصطلح احيانا، منها الجيش، والدعم السريع والحركات المسلحة سواء المتصالحة او المتمردة، التى لا يعرف احد عددها بالضبط، وكل واحدة منها لها قائد مستقل عن الآخرين، ولكل واحد منطقة نفوذه واهدافه وطموحاته التى تختلف عن الآخرين، فضلا عن النزاع منذ الاستقلال بين المركز والاطراف والذى لا يزال مستمرا حتى اليوم، بل توسع وشمل عدة مناطق فى السودان، وهنالك حركات متمردة ضخمة مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان ــ قطاع الشمال التى تسيطر الان على منطقة واسعة فى جنوب كردفان بمثابة دولة، لها رئيسها وحكومتها ومصادر دخلها، ويمكنها فى اى وقت من الاوقات ان تشكل تهديدا خطيرا على المركز وتؤدى لعدم استقرار امنى وسياسى فى البلاد تكون احد تداعياته ثورة تطيح بالحاكم، كما حدث فى 1964، عندما اسقطت ثورة اكتوبر 1964 نظام الفريق عبود، وكانت الشرارة ندوة عن الحرب الاهلية والاوضاع المتردية فى جنوب السودان الذى انفصل لاحقا فى عام 2011 لفشل النظام البائد فى اقناع مواطني الجنوب بالوحدة ففضلوا الانفصال بسبب سياساته العنصرية والتعسفية ..إلخ!.
* بالاضافة الى ذلك مشاكل الحروب الاهلية و النزاعات العرقية والقبلية التى تشكل تهديدا مستمرا للسلطة المركزية واهدارا للموارد، ومن الصعب بل من المستحيل ان يتحقق الامن والاستقرار السياسى والاقتصادى بدون الوصول الى حل لكل هذه المشاكل، ومن المستحيل الوصول الى حل بدون الاتفاق على نظام حكم مدنى ديمقراطى يستوعب التباينات المختلفة ويتيح الفرصة للجميع للمشاركة فى الحكم ..إلخ، وهو ما يتعارض مع وجود نظام حكم دكتاتورى مطلق ومحاكاة تجربة السيسي فى مصر التى تتميز بالتجانس العرقي الى حد كبير، ولا توجد فيها حروب اهلية اومشاكل عرقية وقبلية!
* طموحات قائد قوات الدعم السريع التى تزيد من يوم لآخر، وعلاقاته الخارجية وانتشاره الواسع فى كل مجالات الحياة فى السودان، واصراره على بقاء قواته مستقلة تماما عن الجيش لها قانونها المستقل وكينونتها المستقلة، وبقائه قائدا وحيدا لها، وقائدها الثانى هو اخوه، بدون تدخل من القائد العام للقوات المسلحة السودانية أو اى شخص آخر، وهو ما يؤكد نواياه المستقبلية فى بقائه مستقلا بذاته وقواته وقراراته الامر الذى يتعارض مع رغبة البرهان فى ان يكون الحاكم بأمره فى السودان!
* أخيرا، فان الازمة الاقتصادية الحادة، وعدم التجاوب المطلوب من الدول الاقليمية الحليفة للعسكر فى تقديم الدعم الاقتصادى المطلوب، كما تفعل مع مصر، يحتم على البرهان التعاون مع المجتمع الدولى ليسهم فى معالجة الازمة، وهو ما يعنى تقليص حجم فرصه ليصبح سيسى السودان، كما يحلم .. إذ لا يمكنه أن يحقق هذا الحلم فى ظل انهيار اقتصادى وشيك وعدم انهيار سيل الدعم الخليجى كما كان يتوقع عند قيامه بالانقلاب المشؤوم!
* كل ذلك مما يجعل من الصعب بل من المستحيل على البرهان ان يحقق حلم ابيه والدول التى تدعمه ويصير سيسي السودان، فماذا هو فاعل ؟!