بقلم د. عوض الكريم الزين
شهد شهر رمضان المنصرم حضورا مقدرا للدراما السودانية في قنواتنا الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملفت وحازت على متابعة واهتمام المشاهد السوداني بشكل غير مسبوق يمك استقصاؤه بالملاحظة العادية أو من خلال موقع اليوتيوب بعدد المشاهدات والمشاركات غير المسبوقة وكذلك ما احدثته من نقاشات على مواقع التواصل ولعل اهمها وابرزها مسلسل ثلاثة في حبل ومسلسل سكة ضياع ومسلس ود بلد … وغيرها من السلاسل والاعمال الدرامية المنفصلة هنا وهناك … وما ميزها انها تناولت موضوعات وقضايا تتعلق بالراهن والواقع المعيش على المستوى السياسي والاجتماعي وتفاوتت في قيمة مخرجاتها على المستوى الموضوعي الذي يثير الرأي والمستوى الفني والابداعي والتقني الذي تقوم عليه اركان العملية الفنية في الدراما والذي ايضا له اثرة لاحقا في تناول هذه الاعمال بالنقد والتقييم العلمي كنماذج للدراسات الاكاديمية التطبيقية على مستوى الدراما وصلاحيتها لذلك رغم تجاوزها للذائقة العامة وهدم التابو والقيم الاجتماعية في بعضها لغياب التنظيمات المؤسسية الرسمية التي تجيز وتراقب في الفترة الحالية والتي تشهد انفلاتا في كل شيئ .
مسلسل ثلاثة في حبل من المسلسلات التي حازت على نصيب مقدر وضخم من المشاهدة في طرحه الذكي والابداعي لمحاكمة الواقع السياسي الراهن بكل جرأة وشجاعة فيما يعانيه المجتمع السوداني الآن من فرقة وتشتت ومؤشرات قد تؤدي الى تفكيكه وذهاب امره من خلال الصراع بين الفضلاب والباكراب والمتمثلة في شخصيتي العمدة الفاضل والعمدة بابكر ولعل الاشارة للعمودية هنا تشير الى السلطه السياسية وكذلك الصراع على الارض والزراعة الذي يشير الى الثروة وايضا قضايا اخرى تناقش موضوعات الاصالة والانتماء وقضايا المرأة التي صاغت ملامح العنوان الذكي الذي ابتعد عن المباشرة والنمطية في مقاربات الراهن وافق التغيير الاجتماعي عبر ايدولوجيا فنية متماسكة يصنعها الفن الدراما باسلوب السهل الممتنع وتبسيط الطرح الابداعي للمتلقي في نسق القصة والحوار وانماط الشخصيات القريبة منه ومن الواقع
المسلسل بالاساس قائم على فكرة منهجية وخطوط استراتيجية تقوم عليها القصة والحوار وفيها جهد فكري يجمع بذكاء بين العمق والبساطة والاسلوب المنهجي في الدراماتورجية في المعاني والدلالات والسيميائيات التي تكمل ذلك عبر الصورة واظهرت تناغما واضحا ما بين الفكرة والقصة والسيناريو والحوار والدراماتورجية وفيه مشاهد تصلح ان تكون نماذج اكاديمية في فن الاداء التمثيلي لكثير من المشاهد التراجيدية وايضا كوميديا الموقف ما بين الديالوج والبارالوج والمنولوج والتكثيف عبر المجاميع ..ويعزى ذلك لوجود عدد كبير من نجوم المسلسل من اصحاب القدرات والخبرات في فن التمثيل من فرقة فضيل والنجم المجتهد المثابر عبد الله عبدالسلام ورفعت السر وسعيد نور الدين وماجدة يحي وازدهار محمد علي وابو ذر مليوة وعصام بر. وشهد ظهورا واداءا ملفتا للفنان الرائد الرقم احمد البكري وحضورا متميزا وطاغيا للدكتور كامل الرحيمة الذي كان اضافة وعلامة فارقة على مستوى الاداء التمثيلي الرصين المبدع … والاطلالة الغير مسبوقة بعد غيبة للدكتور ابو بكر الشيخ بشكل كثيف والاداء المركب الصعب والمتقن لشخصية العمدة ما بين الكوميديا والتراجيديا بجانب النجوم المخضرمين الاستاذ علي مهدي وعايدة احمد محمد وسيد أحمد محمد الحسن و قسم الاله حمدنا الله والفنان المجود مجدي عبدالله ويحي ستموني . وعزة محمود ورجاء العركي والطاف بابكر وسناء سعيد وانغام يعقوب وايهاب بلاش محمد السراج ومحمود دبورة وهيثم عوض ومها التوم ومحمد دهشة وعلي الزين وشوقي مهدي ولاول مرة نازك يوسف ..والذين كانو جميعا بمستوى ومسؤلية الاداء المنضبط والمتقن
الاخراج الدرامي للمسلسل كان في غاية الاحكام من حيث المهنية والحرفية الذي قاده بإمتياز وخبرة متفوقة الدكتور ابو بكر الشيخ بجانب م.المخرج ايهاب بلاش وندى عيسى وعدد من الفنيين المتميزين على مستوى التصوير والصوت والمونتاج والفنيات وفريق الانتاج ويجمع في بنائه ما بين تقنيات واساليب السينما والمسرح والتلفزيون والتي مثلت اختراقا جديدا مبدعا على غير النمط الثابت والمستهلك في تصميم الكادر من حيث تأسيس المشاهد ودلالة تصميم الكادر ونوع وحجم وزوايا اللقطات وتنوع حركة الكاميرا والتقطيع الموضوعي والوظيفي السلس والانتقالات المتقنة عبر المؤثرات البصرية والصوتية والمزاوجة بين مؤثرات الانتقال الآلية والجسر الصوتي والمؤثرات الصوتية وترتيبها وفق متطلبات البنية الكلية للمشاهد والاهتمام بترتيب وتركيب المشاهد بما يخدم البناء العام للقصة وسير الاحداث ومنطقية وسلاسة تسلسلها وايضا دخول النظم الشعري ضمن تقنيات الكتابة الحوارية بشكل عضوي وسلس ومتجانس فيما يشبه اسلوب الراوي او المعلق على الحدث وتبيئه كشكل ادائي تمثيلي يدعم المعاني والدلالات في اتجاه الفكرة المركزية وايضا القدرات الفكرية والتقنية في اساليب الاخراج مما جعله اسلوب جديد ومميز في تسخير الامكانيات التقنية في التوليف بين انواع الكاميرات الثابتة والمحمولة والمتحركة والطائرة بشكل لا يمكن الفصل بينها في بناء المشهدية والتفاعل الدرامي واثرها النفسي في قيادة سيكولوجية المشاهدة والفرجة ..العمل عموما محاولة وتجريب ماتع مدعم بالخبرة الطويلة والمتميزة والتراكم الابداعي في المعرفة بفن الاداء التمثيلي ومطلوباتة لتحقيق اعلى مستويات المتعة والتفاعل مع العمل من خلال فريق عمل منسجم ومتماسك يتمتع بقدرات ادائية مهولة وراسخة والذي اكدت عليه الخيارات الواعية والدقيقة والمحددة لمواصفات الكاست العامل في كل مناحي العملية الانتاجية …مسلسل ثلاثة في حبل تجريب ابداعي مختلف محصن بكافة شروط النجاح ووضع البصمة المميزة لتمكين حراك ابداعي متكامل للتجديد في صناعة الدراما عبر القنوات والوسائط المتعددة في آن واحد
ونتمنى ونتوقع ان ينداح الانتاج الدرامي بعد تحطيم وكسر مركزية الانتاج ودخول القطاع الخاص في التمويل وتعدد وسائل البث على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تفوقت حتى على القنوات والتي ترهق المنتجين بتكاليف البث والمطالبة بالرعاية في تجاوز واضح وسافر لدورها الوطني والاخلاقي في احترام واعانة قطاع حيوي وهام كقطاع الدراما