الطاهر ساتي يكتب.. ما تعريفك ..؟؟
( رصيد الديمقراطية ليس في صناديق الانتخابات فحسب، بل في وعي الناس)، جان جاك روسو، صاحب أقوى الأفكار تأثيراً في تشكيل مناخ الثورة الفرنسية..ولذلك، عندما يتحدث المؤمن بالديمقراطية، قيادياً كان هذا المتحدث أو مواطن، فعليه أن يتحسب للوعي العام ويخاطبه بمسؤولية، حتى لايبدو في أنظار الناس مُهرجاً .. وعندما يقول رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس بانهم يسعون – عبر مبادرتهم – إلى إعادة السلطة للمدنيين، فان سؤال الوعي العام هو : ما تعريفكم للمدنيين يا عزيزي الهادي ..؟؟
:: فالمؤسف، كما تشابهت على الناس المصطلحات ، فان الكثير منها أيضاً تعرضت للتزوير و السرقات.. ولكي تطمئن قلوبهم، فان وعي الناس يسأل بكل وضوح، من هم المدنيين المشار إليهم في خطاب الهادي؟، بل من هم المدنيين المشار إليهم في خطب الآخرين الذين لايملون من ترديد هذه الأسطوانة ؟.. فالتعريف المتعارف عليه، والمتفق عليه – لغة وإصطلاحاً وسياسياً – فالمدني هو غير المقاتل أو المحارب، وليس هناك أي تعريف آخر ..!!
:: وبالتعريف المتعارف عليه؛ فان إعادة السلطة إلى المدنيين تعني المضي إلى ( صناديق الإقتراع)، ليترشح من يشاء من المدنيين، ثم ينتخب الشعب ما يشاء من المرشحيين المدنيين.. وبالمناسبة، الهادي لم يستوف شروط ( المدني) بعد، فالرجل قائد حركة مسلحة، و ليس حزباً مدنياَ .. وبما أن فاقد الشئ لا يعطيه، فعلى الهادي و رفاقه الكرام أن يتحولوا إلى ( مدنيين)، حتى تصبح عودة السلطة الى المدنيين (حقيقة) و ليست محض شعار مراد به إحتكار السلطة بتحالفات ثنائية أو ثلاثية..!!
:: و يُخطئ الهادي – و يحتقر الوعي العام – لو سعى إلى تسويق مصطلح المدنيين بأنهم فقط الذين شاركوا العساكر حكومة ما قبل 25 اكتوبر، لم يعد لهذا التسويق زبوناً ولا آذاناً صاغية.. فالوعي العام تجاوز مرحلة (السواقة بالخلاء)..والشاهد، كما أن هناك أحزاب ذات جماهير، فهناك أحزاب عضويتها ( حمولة لوري)، و تزعم أنها الشعب، و هناك أحزاب عبارة عن (قردين وحابس)، و تزعم انه الشارع، و هناك من لايملك غير كيبورد و (حقيبة شتائم)، و يزعم انه صانع الثورة.. وهكذ .. فليكن الفيصل صناديق الاقتراع..!!
:: ولأن الطريق الى صناديق الاقتراع لم يعد مفروشاً بالورود، فعلى الهادي الحديث عن متاريس هذا الطريق .. وكما تعلمون، فان أقوى متاريس الطريق هي الترتيبات الأمنية و دمج قوى الكفاح المسلح والدعم السريع في مؤسسات الدولة..نعم، فالترتيبات الأمنية هي التي تؤرق الشعب والمجتمع الدولي، ليس لأنها المدخل لتأسيس الدولة المدنية فقط، بل لأنها المدخل لبقاء الدولة السودانية.. فالمطلوب أولاً هو أن يتساوى الهادي – و رفاقه – مع المدنيين في مدنيتهم.. وقبل المساواة في المدنية، فان الحديث عن السُلطة المدنية نوع من خداع النفس و ليس الشعب، فالشعب غير قابل للخداع ..!!
:: ومع الترتيبات الأمنية، يجب التوافق على تشكيل جهاز تنفيذي ( مستقل تماماً)، أي حكومة كفاءات مهنية (حقيقية)، وليست كهذه الصورية الفاشلة التي صنعها البرهان و تحتقرها ( 9 طويلة) و لايراها المواطن و لا يشعر بها في كل مناحي الحياة..ومع استقلالية الجهاز التنفيذي ومهنيته وكفاءته، فان تهيئة مناخ الإنتخابات تقتضي تشكيل مجلس تشريعي يجمع كل القوى السياسية، لتكون المشاركة في إصدار دستور و تشريعات المرحلة بالإجماع، إلا من أبى ..!!