رأى المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف أن المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية كشفت أن الخصين أكثر استقرارا وقوة مما توقعه كل منهما.
الانتصار على أوكرانيا وحدها لا يعني انتصار روسيا في الحرب ككل، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ستدفع بأتباع آخرين إلى المعركة، مثل بولندا ورومانيا، وأقزام البلطيق
فالحرب العسكرية الروسية الخاطفة لم تنجح في أوكرانيا، والحرب الاقتصادية الخاطفة ضد روسيا من قبل الولايات المتحدة والغرب لم تنجح هي الأخرى بدورها.
ويرى الكاتب أنه يمكن القول على وجه اليقين إن الحرب في أوكرانيا قد انتقلت إلى فئة الحرب الطويلة. وفي هذه الحالة، فإن ما يجري هو حرب قدرات أو إمكانات. وبالنظر إلى وجود أسلحة نووية، فإن القدرات العسكرية والاقتصادية (التي يتفوق فيها الغرب)، ليست أكثر أهمية من امكانات الاستقرار الداخلي (الذي تتفوق فيه روسيا).
والتباطؤ في الهجوم الروسي يثير كثيراً من الأسئلة لدى الجميع، لعل أهمها لماذا تتصرف روسيا في أوكرانيا بضبط النفس على هذا النحو، ولماذا تستمر في القتال هناك بمجموعات أقل عددا من القوات الأوكرانية بعدة مرات.
ويضيف الكاتب: “أعتقد أنه لم يعد أحد يعتقد أن روسيا في حالة حرب مع أوكرانيا، وليس مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، تستمر الأغلبية، عبثاً، في قياس النجاح في اللعبة الكبرى من خلال أحداث حرب روسية-أوكرانية، وليس من خلال أحداث مواجهة روسية أمريكية”.
الوضع غير متناسق
ومع ذلك، فالوضع غير متناسق. فالانتصار على أوكرانيا، بالنسبة لروسيا، لا يعني الانتصار على الغرب. لكن الغرب بإمكانه أن يهزم روسيا إذا ما هُزمت في أوكرانيا، لأن ذلك سيؤدي إلى زعزعة استقرارها داخليا.
إلى ذلك، فإن الانتصار على أوكرانيا وحدها لا يعني انتصار روسيا في الحرب ككل، لأن الولايات المتحدة الأمريكية ستدفع بأتباع آخرين إلى المعركة، مثل بولندا ورومانيا، وأقزام البلطيق، وغيرهم من المتفائلين، ممن يريدون الحرب مع قوة نووية كروسيا.
في الوقت نفسه، يمكن لروسيا هزيمة الغرب قبل النصر في أوكرانيا، أو حتى من دون نصر عسكري في أوكرانيا، إذا ما أدى تبادل العقوبات والضربات الاقتصادية الأخرى إلى زعزعة استقرار الغرب إلى حد التفكك قبل روسيا.
وذلك هدف أصبح أسهل بالنسبة لروسيا بسبب الكارثة المتنامية في الاقتصاد الغربي، وتسارع التضخم هناك، واستحالة كبحه من دون التوقف عن طباعة نقود غير مغطاة، ما يعني من دون انهيار للبورصات وأزمة ديون واسعة النطاق.
الحد من الخسائر
شخصياً، لا أرى سبباً للإسراع في مجرى الحرب، بينما تفضل الولايات المتحدة الأمريكية أن تقتصر على دماء الأوكرانيين دون إضافة علف مدافع بولندي أو روماني. والحرب مع أوكرانيا وحدها تسمح لروسيا بالحد من الخسائر وإهدار الموارد.
حتى الآن، يحارب في أوكرانيا جيش روسي محترف، والحرب لا تؤثر على المجتمع الروسي، الذي يقف متكاتفاً إلى أقصى الحدود حول الرئيس، ومستعداً لتحمل المصاعب في مواجهة الولايات المتحدة. وسوف يكون للتعبئة العامة تأثير سلبي على الاستقرار الداخلي، لهذا يجب تأجيلها لأقصى وقت ممكن، ويفضل استبعادها نهائياً.
ويتعين دفع ثمن ذلك بإبطاء وتيرة التقدم في الحرب، فالحرب الرئيسية لروسيا هي حرب اقتصادية مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد بدأت روسيا لتوها باستخدام قدراتها في تلك الحرب. ولأسباب طبيعية، ستكون المعركة الرئيسية في الخريف والشتاء، عندما يكون لأوراق اللعب الرابحة لدى روسيا – الطاقة والغذاء – الوزن الأقصى.
ويقر الكاتب بأن الهزيمة السريعة لأوكرانيا كانت أفضل من الهزيمة البطيئة. ويقول: “لا أزعم أن إطالة الحرب كانت في الأصل جزءاً من خطط بوتين، ومع ذلك فمن الضروري الآن، بما أن القضية لا يمكن حلها بسرعة، تعديل تكتيكات العمل على الجبهة الثانوية (الأوكرانية) مع متطلبات المواجهة العامة مع الغرب”.
ويسأل: “لماذا كان علينا أن نلجأ لذلك منذ البداية، إذا كان الهدف الآن هو إبطاء مسار الحرب في أوكرانيا وتأجيل انضمام بقية أوروبا إلى الصراع؟”.
أمريكا عجلت في الحرب
لقد تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من التعجيل ببدء الاشتباك. وكان سحب قواتها من أفغانستان على نحو عاجل، صيف عام 2021، دليلاً دامغاً على تخطيطها للصراع في أوكرانيا منذ ذلك الحين، وهو ما دفعها لتحرير الموارد من أجل ذلك.
وكان بوتين محقاً عندما قال إن العقوبات وكل ما نراه الآن أمام أعيننا أمر لا مفر منه. ففي 22 فبراير(شباط) الماضي، قبل اندلاع الحرب بيومين، أصدر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مرسوماً بشأن التعبئة العامة، أي وإذا لم تتدخل أن غزو أوكرانيا لإقليم الدونباس كان محسوماً. وكان لا بد لروسيا من خوض القتال في دونيتسك ولوغانسك، مع تشكيلات كاملة من الأعمال العدائية من جانب الغرب. وكان على بوتين أن يحسم أمره بين خيارين أحلاهما مرّ.
كارثة
وخلص الكاتب إلى أنه بعد الانتهاء من المرحلة الثانية من العملية العسكرية، أي بعد ضم “نوفوروسيا” (المنطقة التاريخية التي تضم الشريط من خاركوف إلى أوديسا وترانسنيستريا)، قد تتحول روسيا إلى الدفاع الاستراتيجي، وستكون معنية بتجميد الصراع لبعض الوقت. ففي نهاية المطاف، لن تذهب أوكرانيا بعيداً عنا، وبعد انتصار روسيا على الولايات المتحدة، سيتم حل القضية الأوكرانية أسهل كثيراً، إن لم يكن تلقائياً.
فهناك بالفعل كارثة بصدد الوقوع في الاقتصاد الأوكراني، بدأت بأزمة طاحنة للوقود، و45% من الشركات توقفت عن العمل، و31% تعمل جزئياً. ومن المتوقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 30-40%، ولن يمكن للمساعدات الأمريكية أن تدعم أوكرانيا لفترة طويلة.ولا يكمن الخطر في خسارة روسيا، وإنما في لجوء الولايات المتحدة إلى الحرب النووية حينما تدرك أنها محكوم عليها بالخسارة المؤكدة.