الطاهر ساتي يكتب.. الأخطر ..!!
:: رغم أنها من كائنات المناطق الحارة، فان العقارب لاتحتمل الشمس..أشعة الشمس تحدث ثقوباً في جسدها، فتفقد مخزون المياه التي في جسمها وتموت سريعاً، اي خلال نصف ساعة فقط من تعرضها للاشعة.. ومن خصائص العقارب السير ليلاً – لأكثر من ثلاثة أميال – بحثاً عن الطعام، ثم الإختباء في ظلال الأشياء مع أول الفجر.. مناطق المناصير تضج بالعقارب، وقد أخرجت طقس هذه الأيام العقارب من جحور الفيافي الي البيوت بحثاً عن الظلال ..!!
:: شاهدت صور – مخيفة – من مناطق المناصير، فيها تتزاحم العقارب تحت ظلال الصخور والأشجار هرباً من الموت..لقد مات الكثير من أطفال المناصير بلدغات العقارب، و على مدار العام يستنجد الأهل هناك من نلقبهم بالمسؤولين ليمدوهم بأمصال العقارب..و كثيراً ما تنشر الصحف اعداد من ينتقلون الى رحمة الله بلدغات العقارب، لعدم توفر الأمصال بمراكزهم الصحية .. ودائماً ما يكون تبرير السلطات الصحية : ( يوجد مصل العقارب، ولكن ثلاجات التخزين غير كافية)..!!
:: هذه المأساة متكررة، وكذلك النداء و التبرير.. وفي الخاطر، قبل سنوات، لمُكافحة العقارب بتلك المناطق المنكوبة، عقد بعض السادة بعطبرة ما أسموها بالورشة العلمية المُتخصِّصة لمكافحة العقارب بمحلية البحيرة.. وبدلاً من توفير الكهرباء والثلاجات والأمصال في قُرى المحلية، ثم مد شبكة الكهرباء في أحياء المحلية، خرجت الورشة بتوصياتٍ أهمها كان تجميع مواطني قرى المحلية في مجمعات سكنية، ثم جمع العقارب الموجودة في أحياء وفيافي المحلية و تصديرها، وجمع سمومها لإنتاج الأمصال..!!
:: تأمّلوا تلك التّوصيات.. فالعباقرة عندما عجزوا عن (فعل المُمكن)، وهو توفير الكهرباء و المراكز و الثلاجات والأمصال، فكّروا في (فعل المُستحيل)، أي تجميع أهل المحلية في مُجمّعات سكنية ثُمّ جمع عقارب المحلية بغرض التصدير واستخلاص السُّمُوم لصناعة الأمصال.. فالإرادة عاجزةٌ حتى عن مَدّ كهرباء مروي إلى الأحياء المُجاورة لبحيرة السد، ومع ذلك تعد الناس بجمعهم في مُجمّعات سكنية ثُمّ تعد العقارب بتصديرها ونزع سُمُومها لصناعة الأمصال..!!
:: وهناك قصة أخرى ذات صلة بالعقارب أيضاً، بطلتها فتاة سُودانية طموحة اسمها كوثر السّماني، خريجة جامعة أفريقيا العالمية.. قابلت كوثر صينياً بمطار الخرطوم، وعلمت أنّ الصيني يُريد كمية من العقارب، فَرَاقت لها الفكرة وقرّرت تنفيذها.. سَألت السُّلطات : (مِن أين أبدأ؟)، ولم تجد الإجابة.. فالفكرة جَديدة ولا يُوجد هذا المشروع في بلادنا.. سألت وزارة التجارة وغيرها.. لم تجد الإجابة.. وبعد بحث، وجدتها في الحياة البرية التي طالبتها بدراسة جدوى وشهادة بحث مزرعة..!!
:: أعدّت كوثر الدراسة، وسلّمتها – مع عقد المزرعة – لسُلطات الحياة البرية التي أجازتها.. ثُمّ أكملت إجراءات التصديق النهائي لمزرعة تربية العقارب بغرض التّصدير.. وأسّست مزرعتها حسب المُواصفة، ثُمّ شَرعت في جمع العقارب – من الولاية الشمالية – بأجهزة و مُعدّات صُنعت لذلك.. ثُمّ حفظها في صناديق زجاجية، لتتكاثر.. ونَجَح المشروع لحَدّ التّصدير.. لثلاث سَنوات، بَعد دفع الرُّسوم المَطلوبة لكل السُّلطات، ظلّت كوثر تُصدِّر العقارب.. !!
:: ولكن فجأةً، قرّرت السلطات فرض رسوم على العقارب (ألف دولار، للكيلو)..أي بعد نجاح أول مشروع لتربية وتصدير العقارب في السودان، حَاصروه بالرسوم، و هم الذين كانوا بلا قانون أو حتى معرفة بفكرة المشروع وجدواها.. ومن المحن، قبضوها ذات مرة في المطار واتّهموها بتهريب العقارب، ثم صادروا عقاربها و (أبادوها) .. لو كانت ( دولة واعية)، لأخضعت تجربة كوثر للدراسة و التطوير،و ليس للإبادة .. وعليه، ليست سموم العقارب، بل سياسات الدولة غير الواعية هي الأخطر على حياة الشعوب..!!